حمل المصحف

Translate ترجم الي اي لغة تختارها داد7.

الجمعة، 10 فبراير 2017

21 من ص161الي ص-171

161
( فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبْتُ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ( 249 ) )

يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ طَالُوتَ مَلِكِ بَنِي إِسْرَائِيلَ حِينَ خَرَجَ فِي جُنُودِهِ وَمَنْ أَطَاعَهُ مِنْ مَلَأِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَانَ جَيْشُهُ يَوْمَئِذٍ فِيمَا ذَكَرَهُ السُّدِّيُّ ثَمَانِينَ أَلْفًا فَاللَّهُ أَعْلَمُ ، أَنَّهُ قَالَ : ( إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ [ بِنَهَرٍ ] ) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ : وَهُوَ نَهْرٌ بَيْنَ الْأُرْدُنِّ وَفِلَسْطِينَ يَعْنِي : نَهْرُ الشَّرِيعَةِ الْمَشْهُورُ ( فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي ) أَيْ : فَلَا يَصْحَبُنِي الْيَوْمَ فِي هَذَا الْوَجْهِ ( وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ ) أَيْ : فَلَا بَأْسَ عَلَيْهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ( فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ ) قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ : قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : مَنِ اغْتَرَفَ مِنْهُ بِيَدِهِ رَوِيَ ، وَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ لَمْ يُرْوَ . وَكَذَا رَوَاهُ السُّدِّيُّ عَنْ أَبِي مَالِكٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ . وَكَذَا قَالَ قَتَادَةُ وَابْنُ شَوْذَبٍ .

وَقَالَ السُّدِّيُّ : كَانَ الْجَيْشُ ثَمَانِينَ أَلْفًا فَشَرِبَ سِتَّةٌ وَسَبْعُونَ أَلْفًا وَتَبَقَّى مَعَهُ أَرْبَعَةُ آلَافٍ كَذَا قَالَ .

وَقَدْ رَوَى ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقِ إِسْرَائِيلَ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَمِسْعَرِ بْنِ كَدَامٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ : كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِينَ كَانُوا يَوْمَ بَدْرٍ ثَلَاثَمِائَةٍ وَبِضْعَةَ عَشَرَ عَلَى عِدَّةِ أَصْحَابِ طَالُوتَ الَّذِينَ جَازُوا مَعَهُ النَّهْرَ ، وَمَا جَازَهُ مَعَهُ إِلَّا مُؤْمِنٌ . وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَجَاءٍ عَنْ إِسْرَائِيلَ بْنِ يُونُسَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الْبَرَاءِ قَالَ : " كُنَّا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَتَحَدَّثُ أَنَّ عِدَّةَ أَصْحَابِ بَدْرٍ عَلَى عِدَّةِ أَصْحَابِ طَالُوتَ ، الَّذِينَ جَازُوا مَعَهُ النَّهْرَ ، وَلَمْ يُجَاوِزْ مَعَهُ إِلَّا مُؤْمِنٌ بِضْعَةَ عَشَرَ وَثَلَاثُمِائَةٍ " .

ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَزُهَيْرٍ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ بِنَحْوِهِ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى : ( فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ ) أَيِ : اسْتَقَلُّوا أَنْفُسَهُمْ عَنْ لِقَاءِ عَدُوِّهِمْ لِكَثْرَتِهِمْ فَشَجَّعَهُمْ عُلَمَاؤُهُمْ [ وَهُمُ ] الْعَالِمُونَ بِأَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِنَّ النَّصْرَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لَيْسَ عَنْ كَثْرَةِ عَدَدٍ وَلَا عِدَدٍ . وَلِهَذَا قَالُوا : ( كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ )
[ ص: 669 ]

162

( وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ( 250 ) فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ( 251 ) تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ( 252 ) )

أَيْ : لَمَّا وَاجَهَ حِزْبُ الْإِيمَانِ وَهُمْ قَلِيلٌ مِنْ أَصْحَابِ طَالُوتَ لِعَدُوِّهِمْ أَصْحَابِ جَالُوتَ وَهُمْ عَدَدٌ كَثِيرٌ ( قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا ) أَيْ : أَنْزِلْ عَلَيْنَا صَبْرًا مِنْ عِنْدِكَ ( وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا ) أَيْ : فِي لِقَاءِ الْأَعْدَاءِ وَجَنَّبْنَا الْفِرَارَ وَالْعَجْزَ ( وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ )

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : ( فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ ) أَيْ : غَلَبُوهُمْ وَقَهَرُوهُمْ بِنَصْرِ اللَّهِ لَهُمْ ( وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ ) ذَكَرُوا فِي الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ : أَنَّهُ قَتَلَهُ بِمِقْلَاعٍ كَانَ فِي يَدِهِ رَمَاهُ بِهِ فَأَصَابَهُ فَقَتَلَهُ ، وَكَانَ طَالُوتُ قَدْ وَعَدَهُ إِنْ قَتَلَ جَالُوتَ أَنْ يُزَوِّجَهُ ابْنَتَهُ وَيُشَاطِرَهُ نِعْمَتَهُ وَيُشْرِكَهُ فِي أَمْرِهِ فَوَفَى لَهُ ثُمَّ آلَ الْمُلْكُ إِلَى دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَعَ مَا مَنَحَهُ اللَّهُ بِهِ مِنَ النُّبُوَّةِ الْعَظِيمَةِ ; وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى : ( وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ ) الَّذِي كَانَ بِيَدِ طَالُوتَ ( وَالْحِكْمَةَ ) أَيِ : النُّبُوَّةُ بَعْدَ شَمْوِيلَ ( وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ ) أَيْ : مِمَّا يَشَاءُ اللَّهُ مِنَ الْعِلْمِ الَّذِي اخْتَصَّهُ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : ( وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ ) أَيْ : لَوْلَاهُ يَدْفَعُ عَنْ قَوْمٍ بِآخَرِينَ ، كَمَا دَفَعَ عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمُقَاتَلَةِ طَالُوتَ وَشَجَاعَةِ دَاوُدَ لَهَلَكُوا كَمَا قَالَ : ( وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ) الْآيَةَ [ الْحَجِّ : 40 ] .

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ ، رَحِمَهُ اللَّهُ : حَدَّثَنِي أَبُو حُمَيْدٍ الْحِمْصِيُّ أَحْمَدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُوقَةَ عَنْ وَبَرَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ اللَّهَ لَيَدْفَعُ بِالْمُسْلِمِ الصَالِحٍ عَنْ مِائَةِ أَهْلِ بَيْتٍ مِنْ جِيرَانِهِ الْبَلَاءَ " . ثُمَّ قَرَأَ ابْنُ عُمَرَ : ( وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ ) وَهَذَا إِسْنَادٌ ضَعِيفٌ فَإِنَّ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ [ هَذَا ] هُوَ أَبُو زَكَرِيَّا الْعَطَّارُ الْحِمْصِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا .

ثُمَّ قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ : حَدَّثَنَا أَبُو حُمَيْدٍ الْحِمْصِيُّ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ اللَّهَ لَيُصْلِحُ بِصَلَاحِ الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ وَلَدَهُ وَوَلَدَ وَلَدِهِ وَأَهْلَ دُوَيْرَتِهِ وَدُوَيْرَاتٍ حَوْلَهُ ، وَلَا يَزَالُونَ فِي حِفْظِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَا دَامَ فِيهِمْ  

وَهَذَا أَيْضًا غَرِيبٌ ضَعِيفٌ لِمَا تَقَدَّمَ أَيْضًا . وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ مَرْدَوَيْهِ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ حَمَّادٍ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَخْبَرَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ ، حَدَّثَنِي حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ عَنْ ثَوْبَانَ رَفَعَ [ ص: 670 ] الْحَدِيثَ قَالَ : " لَا يَزَالُ فِيكُمْ سَبْعَةٌ بِهِمْ تُنْصَرُونَ وَبِهِمْ تُمْطَرُونَ وَبِهِمْ تُرْزَقُونَ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ " .

وَقَالَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ أَيْضًا : وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرِ بْنِ يَزِيدَ ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاذٍ نَهَارُ بْنُ عُثْمَانَ اللَّيْثِيُّ أَخْبَرَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ أَخْبَرَنِي عُمَرُ الْبَزَّارُ ، عَنْ عَنْبَسَةَ الْخَوَاصِّ ، عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي الْأَشْعَثِ الصَّنْعَانِيِّ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " الْأَبْدَالُ فِي أُمَّتِي ثَلَاثُونَ بِهِمْ تَقُومُ الْأَرْضُ ، وَبِهِمْ تُمْطَرُونَ وَبِهِمْ تُنْصَرُونَ " قَالَ قَتَادَةُ : إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ الْحَسَنُ مِنْهُمْ .

وَقَوْلُهُ : ( وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ) أَيْ : مَنٌّ عَلَيْهِمْ وَرَحْمَةٌ بِهِمْ ، يَدْفَعُ عَنْهُمْ بِبَعْضِهِمْ بَعْضًا وَلَهُ الْحُكْمُ وَالْحِكْمَةُ وَالْحُجَّةُ عَلَى خَلْقِهِ فِي جَمِيعِ أَفْعَالِهِ وَأَقْوَالِهِ .

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : ( تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ) أَيْ : هَذِهِ آيَاتُ اللَّهِ الَّتِي قَصَصْنَاهَا عَلَيْكَ مِنْ أَمْرِ الَّذِينَ ذَكَرْنَاهُمْ بِالْحَقِّ أَيْ : بِالْوَاقِعِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ ، الْمُطَابِقُ لِمَا بِأَيْدِي أَهْلِ الْكِتَابِ مِنَ الْحَقِّ الَّذِي يَعْلَمُهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ ( وَإِنَّكَ ) يَا مُحَمَّدُ ( لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ) وَهَذَا تَوْكِيدٌ وَتَوْطِئَةٌ لِلْقَسَمِ .

163
( تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ ( 253 ) )

يُخْبِرُ تَعَالَى أَنَّهُ فَضَّلَ بَعْضَ الرُّسُلِ عَلَى بَعْضٍ كَمَا قَالَ : ( وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا ) [ الْإِسْرَاءِ : 55 ] وَقَالَ هَاهُنَا : ( تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ ) يَعْنِي : مُوسَى وَمُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَذَلِكَ آدَمَ ، كَمَا وَرَدَ بِهِ الْحَدِيثُ الْمَرْوِيُّ فِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ( وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ ) كَمَا ثَبَتَ فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ حِينَ رَأَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَنْبِيَاءَ فِي السَّمَاوَاتِ بِحَسْبِ تَفَاوُتِ مَنَازِلِهِمْ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ .

فَإِنْ قِيلَ : فَمَا الْجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ الْآيَةِ وَبَيْنَ الْحَدِيثِ الثَّابِتِ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : اسْتَبَّ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَرَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ فَقَالَ الْيَهُودِيُّ فِي قَسَمٍ يُقْسِمُهُ : لَا وَالَّذِي اصْطَفَى مُوسَى [ ص: 671 ] عَلَى الْعَالَمِينَ . فَرَفَعَ الْمُسْلِمُ يَدَهُ فَلَطَمَ بِهَا وَجْهَ الْيَهُودِيِّ فَقَالَ : أَيْ خَبِيثُ وَعَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ! فَجَاءَ الْيَهُودِيُّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاشْتَكَى عَلَى الْمُسْلِمِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا تُفَضِّلُونِي عَلَى الْأَنْبِيَاءِ ؛ فَإِنَّ النَّاسَ يُصْعَقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يَفِيقُ فَأَجِدُ مُوسَى بَاطِشًا بِقَائِمَةِ الْعَرْشِ فَلَا أَدْرِي أَفَاقَ قَبْلِي أَمْ جُوزِيَ بِصَعْقَةِ الطُّورِ ؟ فَلَا تُفَضِّلُونِي عَلَى الْأَنْبِيَاءِ " وَفِي رِوَايَةٍ : " لَا تُفَضِّلُوا بَيْنَ الْأَنْبِيَاءِ " .

فَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ :

أَحَدُهَا : أَنَّ هَذَا كَانَ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ بِالتَّفْضِيلِ ، وَفِي هَذَا نَظَرٌ .

الثَّانِي : أَنَّ هَذَا قَالَهُ مِنْ بَابِ الْهَضْمِ وَالتَّوَاضُعِ .

الثَّالِثُ : أَنَّ هَذَا نَهْيٌ عَنِ التَّفْضِيلِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالِ الَّتِي تَحَاكَمُوا فِيهَا عِنْدَ التَّخَاصُمِ وَالتَّشَاجُرِ .

الرَّابِعُ : لَا تُفَضِّلُوا بِمُجَرَّدِ الْآرَاءِ وَالْعَصَبِيَّةِ .

الْخَامِسُ : لَيْسَ مَقَامُ التَّفْضِيلِ إِلَيْكُمْ وَإِنَّمَا هُوَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَعَلَيْكُمُ الِانْقِيَادُ وَالتَّسْلِيمُ لَهُ وَالْإِيمَانُ بِهِ .

وَقَوْلُهُ : ( وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ ) أَيِ : الْحُجَجُ وَالدَّلَائِلُ الْقَاطِعَاتُ عَلَى صِحَّةِ مَا جَاءَ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِهِ ، مِنْ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ إِلَيْهِمْ ( وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ ) يَعْنِي : أَنَّ اللَّهَ أَيَّدَهُ بِجِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : ( وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا ) أَيْ : بَلْ كُلُّ ذَلِكَ عَنْ قَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ ; وَلِهَذَا قَالَ : ( وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ )

164

( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ ( 254 ) )

يَأْمُرُ تَعَالَى عِبَادَهُ بِالْإِنْفَاقِ مِمَّا رَزَقَهُمْ فِي سَبِيلِهِ سَبِيلِ الْخَيْرِ لِيَدَّخِرُوا ثَوَابَ ذَلِكَ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَلِيكِهِمْ وَلْيُبَادِرُوا إِلَى ذَلِكَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ( مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ ) يَعْنِي : يَوْمَ الْقِيَامَةِ ( لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ ) أَيْ : لَا يُبَاعُ أَحَدٌ مِنْ نَفْسِهِ وَلَا يُفَادَى بِمَالٍ لَوْ بَذَلَهُ ، وَلَوْ جَاءَ بِمِلْءِ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَا تَنْفَعُهُ خُلَّةُ أَحَدٍ ، يَعْنِي : صَدَاقَتُهُ بَلْ وَلَا نَسَابَتُهُ كَمَا قَالَ : ( فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ ) [ الْمُؤْمِنُونَ : 101 ] ( وَلَا شَفَاعَةٌ ) أَيْ : وَلَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ .

وَقَوْلُهُ : ( وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) مُبْتَدَأٌ مَحْصُورٌ فِي خَبَرِهِ أَيْ : وَلَا ظَالِمَ أَظْلَمَ مِمَّنْ وَافَى اللَّهَ يَوْمَئِذٍ كَافِرًا . وَقَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ قَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي قَالَ : ( وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) وَلَمْ يَقِلْ : وَالظَّالِمُونَ هُمُ الْكَافِرُونَ
[ ص: 672 ] .

165

( اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ( 255 ) )

هَذِهِ آيَةُ الْكُرْسِيِّ وَلَهَا شَأْنٌ عَظِيمٌ قَدْ صَحَّ الْحَدِيثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهَا أَفْضَلُ آيَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ . قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ سَعِيدٍ الْجَرِيرِيِّ عَنْ أَبِي السَّلِيلِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ ، عَنْ أُبَيٍّ هُوَ ابْنُ كَعْبٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَهُ : " أَيُّ آيَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ أَعْظَمُ " ؟ قَالَ : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ . فَرَدَّدَهَا مِرَارًا ثُمَّ قَالَ أُبَيٌّ : آيَةُ الْكُرْسِيِّ . قَالَ : " لِيَهْنِكَ الْعِلْمُ أَبَا الْمُنْذِرِ ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ لَهَا لِسَانًا وَشَفَتَيْنِ تُقَدِّسُ الْمَلِكَ عِنْدَ سَاقِ الْعَرْشِ " وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى عَنِ الْجُرَيْرِيِّ بِهِ ، وَلَيْسَ عِنْدَهُ زِيَادَةٌ : " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ . . . " إِلَخْ .

حَدِيثٌ آخَرُ : عَنْ أُبَيٍّ أَيْضًا فِي فَضْلِ آيَةِ الْكُرْسِيِّ ، قَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى الْمُوصِلِيُّ : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ حَدَّثَنَا مُبَشِّرٌ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عَبْدَةَ بْنِ أَبِي لُبَابَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ : أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ : أَنَّهُ كَانَ لَهُ جُرْنٌ فِيهِ تَمْرُّ قَالَ : فَكَانَ أُبَيٌّ يَتَعَاهَدُهُ فَوَجَدَهُ يَنْقُصُ قَالَ : فَحَرَسَهُ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَإِذَا هُوَ بِدَابَّةٍ شَبِيهُ الْغُلَامِ الْمُحْتَلِمِ قَالَ : فَسَلَّمَتْ عَلَيْهِ فَرَدَّ السَّلَامَ . قَالَ : فَقُلْتُ : مَا أَنْتَ ، جِنِّيٌّ أَمْ إِنْسِيٌّ ؟ قَالَ : جِنِّيٌّ . قُلْتُ : نَاوِلْنِي يَدَكَ . قَالَ : فَنَاوَلَنِي ، فَإِذَا يَدُ كَلْبٍ وَشَعْرُ كَلْبٍ . فَقُلْتُ : هَكَذَا خُلِقَ الْجِنُّ ؟ قَالَ : لَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنُّ مَا فِيهِمْ أَشَدُّ مِنِّي ، قُلْتُ : فَمَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ ؟ قَالَ : بَلَغَنِي أَنَّكَ رَجُلٌ تُحِبُّ الصَّدَقَةَ فَأَحْبَبْنَا أَنَّ نُصِيبَ مِنْ طَعَامِكَ . قَالَ : فَقَالَ لَهُ فَمَا الَّذِي يُجِيرُنَا مِنْكُمْ ؟ قَالَ : هَذِهِ الْآيَةُ : آيَةُ الْكُرْسِيِّ . ثُمَّ غَدَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " صَدَقَ الْخَبِيثُ " .

وَهَكَذَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ عَنْ حَرْبِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنِ الْحَضْرَمِيِّ بْنِ لَاحِقٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ عَنْ جَدِّهِ بِهِ . وَقَالَ : صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ .

طَرِيقٌ أُخْرَى : قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ غِيَاثٍ قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا السَّلِيلِ قَالَ : كَانَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَدِّثُ النَّاسَ حَتَّى يَكْثُرُوا عَلَيْهِ فَيَصْعَدُ عَلَى سَطْحِ بَيْتٍ فَيُحَدِّثُ النَّاسَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَيُّ آيَةٍ فِي الْقُرْآنِ أَعْظَمُ ؟ " فَقَالَ رَجُلٌ [ ص: 673 ]

( اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ) قَالَ : فَوَضَعَ يَدَهُ بَيْنَ كَتِفَيَّ فَوَجَدْتُ بَرْدَهَا بَيْنَ ثَدْيَيَّ ، أَوْ قَالَ : فَوَضَعَ يَدَهُ بَيْنَ ثَدْيَيَّ فَوَجَدْتُ بَرْدَهَا بَيْنَ كَتِفَيَّ وَقَالَ : " لِيَهْنِكَ الْعِلْمُ يَا أَبَا الْمُنْذِرِ " .

حَدِيثٌ آخَرُ : عَنِ الْأَسْفَعِ الْبِكْرِيِّ . قَالَ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ : حَدَّثَنَا أَبُو يَزِيدَ الْقَرَاطِيسِيُّ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ أَبِي عَبَّادٍ الْمَكِّيُّ حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ عَطَاءٍ أَنَّ مَوْلَى ابْنِ الْأَسْفَعِ رَجُلَ صِدْقٍ أَخْبَرَهُ عَنِ الْأَسْفَعِ الْبِكْرِيِّ : أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ : إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَهُمْ فِي صُفَّةِ الْمُهَاجِرِينَ فَسَأَلَهُ إِنْسَانٌ : أَيُّ آيَةٍ فِي الْقُرْآنِ أَعْظَمُ ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ) حَتَّى انْقَضَتِ الْآيَةُ . .

حَدِيثٌ آخَرُ : عَنْ أَنَسٍ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ حَدَّثَنِي سَلَمَةَ بْنُ وَرْدَانَ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَ رَجُلًا مِنْ صَحَابَتِهِ فَقَالَ : " أَيْ فُلَانُ هَلْ تَزَوَّجْتَ " ؟ قَالَ : لَا وَلَيْسَ عِنْدِي مَا أَتَزَوَّجُ بِهِ . قَالَ : " أَوَلَيَسَ مَعَكَ : ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ) " ؟ قَالَ : بَلَى . قَالَ : " رُبُعُ الْقُرْآنِ . أَلَيْسَ مَعَكَ : ( قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ ) " ؟ قَالَ : بَلَى . قَالَ : " رُبُعُ الْقُرْآنِ . أَلَيْسَ مَعَكَ ( إِذَا زُلْزِلَتِ ) " ؟ قَالَ : بَلَى . قَالَ : " رُبُعُ الْقُرْآنِ . أَلَيْسَ مَعَكَ : ( إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ [ وَالْفَتْحُ ] ) " ؟ قَالَ : بَلَى . قَالَ : " رُبُعُ الْقُرْآنِ . أَلَيْسَ مَعَكَ آيَةُ الْكُرْسِيِّ : ( اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ) " ؟ قَالَ : بَلَى . قَالَ : " رُبُعُ الْقُرْآنِ " .

حَدِيثٌ آخَرُ : عَنْ أَبِي ذَرٍّ جُنْدَبِ بْنِ جُنَادَةَ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثْنَا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيُّ أَنْبَأَنِي أَبُو عُمَرَ الدِّمَشْقِيُّ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ الْخَشْخَاشِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ فَجَلَسْتُ . فَقَالَ : " يَا أَبَا ذَرٍّ هَلْ صَلَّيْتَ ؟ " قُلْتُ : لَا . قَالَ : " قُمْ فَصَلِّ " قَالَ : فَقُمْتُ فَصَلَّيْتُ ثُمَّ جَلَسْتُ فَقَالَ : " يَا أَبَا ذَرٍّ تَعَوَّذْ بِالْلَّهِ مِنْ شَرِّ شَيَاطِينِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ " قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوَلِلْإِنْسِ شَيَاطِينُ ؟ قَالَ : " نَعَمْ " قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ الصَّلَاةُ ؟ قَالَ : " خَيْرُ مَوْضُوعٍ ، مَنْ شَاءَ أَقَلَّ وَمَنْ شَاءَ أَكْثَرَ " . قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ فَالصَّوْمُ ؟ قَالَ : " فَرْضٌ مُجْزِئٌ وَعِنْدَ اللَّهِ مَزِيدٌ " قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ فَالصَّدَقَةُ ؟ قَالَ : " أَضْعَافٌ مُضَاعَفَةٌ " . قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَيُّهَا أَفْضَلُ ؟ قَالَ : " جُهْدٌ مِنْ مُقِلٍّ أَوْ سِرٌّ إِلَى فَقِيرٍ " قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْأَنْبِيَاءِ كَانَ أَوَّلَ ؟ قَالَ : " آدَمُ " قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَنَبِيٌّ كَانَ ؟ قَالَ : " نَعِمَ نَبِيٌّ مُكَلَّمٌ " قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ كَمِ الْمُرْسَلُونَ ؟ قَالَ : " ثَلَاثُمِائَةٍ وَبِضْعَةَ عَشَرَ جَمًّا غَفِيرًا " وَقَالَ مَرَّةً : " وَخَمْسَةَ عَشَرَ " قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّمَا أُنْزِلَ عَلَيْكَ أَعْظَمُ ؟ قَالَ : " آيَةُ الْكُرْسِيِّ : ( اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ) " وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ .[ ص: 674 ]

حَدِيثٌ آخَرُ : عَنْ أَبِي أَيُّوبَ خَالِدِ بْنِ زَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ أَخِيهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ أَبِي أَيُّوبَ : أَنَّهُ كَانَ فِي سَهْوَةٍ لَهُ ، وَكَانَتِ الْغُولُ تَجِيءُ فَتَأْخُذُ فَشَكَاهَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَقَالَ : " فَإِذَا رَأَيْتَهَا فَقُلْ : بِاسْمِ اللَّهِ أَجِيبِي رَسُولَ اللَّهِ " . قَالَ : فَجَاءَتْ فَقَالَ لَهَا : فَأَخَذَهَا فَقَالَتْ : إِنِّي لَا أَعُودُ . فَأَرْسَلَهَا فَجَاءَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ ؟ " قَالَ : أَخَذْتُهَا فَقَالَتْ لِي : إِنِّي لَا أَعُودُ ، إِنِّي لَا أَعُودُ . فَأَرْسَلْتُهَا ، فَقَالَ : " إِنَّهَا عَائِدَةٌ " فَأَخَذْتُهَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا كُلُّ ذَلِكَ تَقُولُ : لَا أَعُودُ . وَأَجِيءُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُولُ : " مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ ؟ " فَأَقُولُ : أَخَذْتُهَا فَتَقُولُ : لَا أَعُودُ . فَيَقُولُ : " إِنَّهَا عَائِدَةٌ " فَأَخَذْتُهَا فَقَالَتْ : أَرْسِلْنِي وَأُعُلِّمُكَ شَيْئًا تَقُولُهُ فَلَا يَقْرَبُكَ شَيْءٌ : آيَةُ الْكُرْسِيِّ ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ : " صَدَقَتْ وَهِيَ كَذُوبٌ " .

وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ عَنْ بُنْدَارٍ عَنْ أَبِي أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيِّ بِهِ ، وَقَالَ : حَسَنٌ غَرِيبٌ .

وَقَدْ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ هَذِهِ الْقِصَّةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَ فِي كِتَابِ " فَضَائِلِ الْقُرْآنِ " وَفِي كِتَابِ " الْوَكَالَةِ " وَفِي " صِفَةِ إِبْلِيسَ " مِنْ صَحِيحِهِ : قَالَ عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ أَبُو عَمْرٍو حَدَّثَنَا عَوْفٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : وَكَّلَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحِفْظِ زَكَاةِ رَمَضَانَ فَأَتَانِي آتٍ فَجَعَلَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ فَأَخَذْتُهُ وَقُلْتُ : لَأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . قَالَ : إِنِّي مُحْتَاجٌ وَعَلَيَّ عِيَالٌ وَلِي حَاجَةٌ شَدِيدَةٌ . قَالَ : فَخَلَّيْتُ عَنْهُ . فَأَصْبَحْتُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَا أَبَا هُرَيْرَةَ مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ الْبَارِحَةَ ؟ " قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ شَكَا حَاجَةً شَدِيدَةً وَعِيَالًا فَرَحِمْتُهُ وَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ . قَالَ : " أَمَا إِنَّهُ قَدْ كَذَبَكَ وَسَيَعُودُ " فَعَرَفْتُ أَنَّهُ سَيَعُودُ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّهُ سَيَعُودُ " فَرَصَدْتُهُ فَجَاءَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ فَأَخَذْتُهُ فَقُلْتُ : لَأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : دَعْنِي فَإِنِّي مُحْتَاجٌ وَعَلَيَّ عِيَالٌ لَا أَعُودُ . فَرَحِمْتُهُ وَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ فَأَصْبَحْتُ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَا أَبَا هُرَيْرَةَ مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ الْبَارِحَةَ ؟ " قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ شَكَا حَاجَةً وَعِيَالًا فَرَحِمْتُهُ فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ . قَالَ : " أَمَا إِنَّهُ قَدْ كَذَبَكَ وَسَيَعُودُ " فَرَصَدْتُهُ الثَّالِثَةَ فَجَاءَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ فَأَخَذْتُهُ فَقُلْتُ : لَأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَهَذَا آخَرُ ثَلَاثِ مَرَّاتٍ أَنَّكَ تَزْعُمُ أَنَّكَ لَا تَعُودُ ثُمَّ تَعُودُ . فَقَالَ : دَعْنِي أُعَلِّمْكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهَا . قُلْتُ : مَا هُنَّ . قَالَ : إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ : ( اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ) حَتَّى تَخْتِمَ الْآيَةَ فَإِنَّكَ لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللَّهِ حَافِظٌ وَلَا يَقْرَبُكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ . فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ فَأَصْبَحْتُ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ الْبَارِحَةَ ؟ " قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ زَعَمَ أَنَّهُ يُعَلِّمُنِي كَلِمَاتٍ يَنْفَعُنِي اللَّهُ بِهَا فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ . قَالَ : " مَا هِيَ ؟ " قَالَ : قَالَ لِي : إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ مِنْ أَوَّلِهَا حَتَّى تَخْتِمَ الْآيَةَ : ( اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ) وَقَالَ لِي : لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللَّهِ حَافِظٌ وَلَا يَقْرَبُكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ . وَكَانُوا أَحْرَصَ شَيْءٍ عَلَى الْخَيْرِ ، فَقَالَ النَّبِيُّ [ ص: 675 ] صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَمَا إِنَّهُ صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ . تَعْلَمُ مَنْ تُخَاطِبُ مُذْ ثَلَاثِ لَيَالٍ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ ؟ " قُلْتُ : لَا قَالَ : " ذَاكَ شَيْطَانٌ " .

كَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مُعَلَّقًا بِصِيغَةِ الْجَزْمِ وَقَدْ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي " الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ " عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَعْقُوبَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْهَيْثَمِ فَذَكَرَهُ وَقَدْ رُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِسِيَاقٍ آخَرَ قَرِيبٍ مِنْ هَذَا فَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرِ بْنُ مَرْدَوَيْهِ فِي تَفْسِيرِهِ :

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرَوَيْهِ الصَّفَّارُ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ الْعَبْدِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْمُتَوَكِّلِ النَّاجِيُّ : أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ مَعَهُ مِفْتَاحُ بَيْتِ الصَّدَقَةِ وَكَانَ فِيهِ تَمْرٌ فَذَهَبَ يَوْمًا فَفَتَحَ الْبَابَ فَوَجَدَ التَّمْرَ قَدْ أُخِذَ مِنْهُ مَلْءُ كَفٍّ وَدَخَلَ يَوْمًا آخَرَ فَإِذَا قَدْ أُخِذَ مِنْهُ مَلْءُ كَفٍّ ثُمَّ دَخَلَ يَوْمًا آخَرَ ثَالِثًا فَإِذَا قَدْ أُخِذَ مِنْهُ مِثْلُ ذَلِكَ . فَشَكَا ذَلِكَ أَبُو هُرَيْرَةَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " تُحِبُّ أَنَّ تَأْخُذَ صَاحِبَكَ هَذَا ؟ " قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : " فَإِذَا فَتَحَتَ الْبَابَ فَقُلْ : سُبْحَانَ مَنْ سَخَّرَكَ لِمُحَمَّدٍ " فَذَهَبَ فَفَتَحَ الْبَابَ فَقَالَ : سُبْحَانَ مَنْ سَخَّرَكَ لِمُحَمَّدٍ . فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ بَيْنَ يَدَيْهِ قَالَ : يَا عَدُوَّ اللَّهِ أَنْتَ صَاحِبُ هَذَا ؟ قَالَ : نَعَمْ دَعْنِي فَإِنِّي لَا أَعُودُ مَا كُنْتُ آخِذًا إِلَّا لِأَهْلِ بَيْتٍ مِنَ الْجِنِّ فُقَرَاءَ ، فَخَلَّى عَنْهُ ثُمَّ عَادَ الثَّانِيَةَ ثُمَّ عَادَ الثَّالِثَةَ . فَقُلْتُ : أَلَيْسَ قَدْ عَاهَدْتَنِي أَلَّا تَعُودَ ؟ لَا أَدْعُكَ الْيَوْمَ حَتَّى أَذْهَبَ بِكَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : لَا تَفْعَلْ ، فَإِنَّكَ إِنْ تَدَعْنِي عَلَّمْتُكَ كَلِمَاتٍ إِذَا أَنْتَ قُلْتَهَا لَمْ يَقَرَبْكَ أَحَدٌ مِنَ الْجِنِّ صَغِيرٌ وَلَا كَبِيرٌ ذَكَرٌ وَلَا أُنْثَى قَالَ لَهُ : لَتَفْعَلَنَّ ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : مَا هُنَّ ؟ قَالَ : ( اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ) قَرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ حَتَّى خَتَمَهَا فَتَرَكَهُ فَذَهَبَ فَأَبْعَدَ فَذَكَرَ ذَلِكَ أَبُو هُرَيْرَةَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ ؟ " .

وَقَدْ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ شُعَيْبِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِهِ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ لِأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ كَائِنَةٌ مِثْلُ هَذِهِ أَيْضًا فَهَذِهِ ثَلَاثُ وَقَائِعَ .

قِصَّةٌ أُخْرَى : قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي كِتَابِ " الْغَرِيبِ " : حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ أَبِي عَاصِمٍ الثَّقَفِيِّ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : خَرَجَ رَجُلٌ مِنَ الْإِنْسِ فَلَقِيَهُ رَجُلٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالَ : هَلْ لَكَ أَنْ تُصَارِعَنِي ؟ فَإِنْ صَرَعْتَنِي عَلَّمْتُكَ آيَةً إِذَا قَرَأْتَهَا حِينَ تَدْخُلُ بَيْتَكَ لَمْ يَدْخُلْ شَيْطَانٌ ؟ فَصَارَعَهُ فَصَرَعَهُ فَقَالَ : إِنِّي أَرَاكَ ضَئِيلًا شَخِيتًا كَأَنَّ ذِرَاعَيْكَ ذِرَاعَا كَلْبٍ ، أَفَهَكَذَا أَنْتُمْ أَيُّهَا الْجِنُّ كُلُّكُمْ أَمْ أَنْتَ مِنْ بَيْنِهِمْ ؟ فَقَالَ : إِنِّي بَيْنَهُمْ لَضَلِيعٌ فَعَاوِدْنِي ، فَصَارَعَهُ فَصَرَعَهُ الْإِنْسِيُّ . فَقَالَ : تَقْرَأُ آيَةَ الْكُرْسِيِّ فَإِنَّهُ لَا يَقْرَؤُهَا أَحَدٌ إِذَا دَخَلَ بَيْتَهُ إِلَّا خَرَجَ الشَّيْطَانُ وَلَهُ خَبَجٌ كَخَبَجِ الْحِمَارِ[ ص: 676 ]

فَقِيلَ لِابْنِ مَسْعُودٍ : أَهْوَ عُمَرُ ؟ فَقَالَ : مَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ إِلَّا عُمَرُ
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : الضَّئِيلُ : النَّحِيفُ الْجِسْمِ ، وَالْخَبَجُ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَيُقَالُ : بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ : الضُّرَاطُ .

حَدِيثٌ آخَرُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : قَالَ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي مُسْتَدْرَكِهِ : حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَمْشَاذَ ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُوسَى ، حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، حَدَّثَنِي حَكِيمُ بْنُ جُبَيْرٍ الْأَسَدِيُّ ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " سُورَةُ الْبَقَرَةِ فِيهَا آيَةٌ سَيِّدَةُ آيِ الْقُرْآنِ لَا تُقْرَأُ فِي بَيْتٍ فِيهِ شَيْطَانٌ إِلَّا خَرَجَ مِنْهُ ! آيَةُ الْكُرْسِيِّ " .

وَكَذَا رَوَاهُ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْ زَائِدَةَ عَنْ حَكِيمِ بْنِ جُبَيْرٍ ثُمَّ قَالَ : صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ . كَذَا قَالَ ، وَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ زَائِدَةَ [ بِهِ ] وَلَفْظُهُ : " لِكُلِّ شَيْءٍ سِنَامٌ ، وَسِنَامُ الْقُرْآنِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ ، وَفِيهَا آيَةٌ هِيَ سَيِّدَةُ آيِ الْقُرْآنِ : آيَةُ الْكُرْسِيِّ " . ثُمَّ قَالَ : غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ حَكِيمِ بْنِ جُبَيْرٍ ، وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ شُعْبَةُ وَضَعَّفَهُ .

قُلْتُ : وَكَذَا ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ وَتَرَكَهُ ابْنُ مَهْدِيٍّ وَكَذَّبَهُ السَّعْدِيُّ .

حَدِيثٌ آخَرُ : قَالَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الْبَاقِي بْنُ نَافِعٍ ، أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَرْوَزِيُّ ، أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبُخَارِيُّ ، أَخْبَرَنَا أَبِي ، أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ مُوسَى غُنْجَارٌ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَيْسَانَ ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ عَقِيلٍ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ : أَنَّهُ خَرَجَ ذَاتَ يَوْمٍ إِلَى النَّاسِ وَهُمْ سَمَاطَاتٌ فَقَالَ : أَيُّكُمْ يُخْبِرُنِي بِأَعْظَمِ آيَةٍ فِي الْقُرْآنِ ؟ فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ : عَلَى الْخَبِيرِ سَقَطْتَ ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " أَعْظَمُ آيَةٍ فِي الْقُرْآنِ : ( اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ) .

حَدِيثٌ آخَرُ فِي اشْتِمَالِهِ عَلَى اسْمِ اللَّهِ الْأَعْظَمِ : قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي زِيَادٍ ، حَدَّثَنَا شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ بْنِ السَّكَنِ قَالَتْ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ ( اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ) وَ ( الم اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ) [ آلِ عِمْرَانَ : 1 ، 2 ] " إِنَّ فِيهِمَا اسْمَ اللَّهِ الْأَعْظَمِ " .

وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ مُسَدَّدٍ ، وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ خَشْرَمٍ ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي زِيَادٍ بِهِ ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ : حَسَنٌ صَحِيحٌ .[ ص: 677 ]

حَدِيثٌ آخَرُ فِي مَعْنَى هَذَا عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : قَالَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ : أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ نُمَيْرٍ ، أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ ، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ ، أَخْبَرَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَلَاءِ بْنِ زَيْدٍ : أَنَّهُ سَمِعَ الْقَاسِمَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ يَرْفَعُهُ قَالَ : " اسْمُ اللَّهِ الْأَعْظَمِ الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ فِي ثَلَاثٍ : سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَآلِ عِمْرَانَ وَطَهَ " وَقَالَ هِشَامٌ وَهُوَ ابْنُ عَمَّارٍ خَطِيبُ دِمَشْقَ : أَمَّا الْبَقَرَةُ فَ ( اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ) وَفِي آلِ عِمْرَانَ : ( الم اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ) وَفِي طَهَ : ( وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ ) [ طَهَ : 111 ] .

حَدِيثٌ آخَرُ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ فِي فَضْلِ قِرَاءَتِهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ : قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ مَرْدَوَيْهِ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحْرِزِ بْنِ مُسَاوِرٍ الْأُدْمِيُّ ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ ، أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ بِشْرٍ بِطَرَسُوسَ ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حِمْيَرٍ ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ قَرَأَ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ آيَةَ الْكُرْسِيِّ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ إِلَّا أَنْ يَمُوتَ " .

وَهَكَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي " الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ " عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ بِشْرٍ بِهِ ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ حِمْيَرٍ وَهُوَ الْحِمْصِيُّ مِنْ رِجَالِ الْبُخَارِيِّ أَيْضًا ، فَهُوَ إِسْنَادٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ ، وَقَدْ زَعَمَ أَبُو الْفَرَجِ بْنُ الْجَوْزِيِّ أَنَّهُ حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ فَاللَّهُ أَعْلَمُ . وَقَدْ رَوَى ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ وَالْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ نَحْوَ هَذَا الْحَدِيثِ . وَلَكِنْ فِي إِسْنَادِ كُلٍّ مِنْهَا ضَعْفٌ .

وَقَالَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ أَيْضًا : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ الْمُقْرِيُّ ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ دُرُسْتُوَيْهِ الْمَرْوَزِيُّ ، أَخْبَرَنَا زِيَادُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، أَخْبَرَنَا أَبُو حَمْزَةَ السُّكَّرِيُّ ، عَنِ الْمُثَنَّى ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنِ الْحَسَنِ ، عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " أَوْحَى اللَّهُ إِلَى مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنِ اقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ ؛ فَإِنَّهُ مَنْ يَقْرَأْهَا فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ أَجْعَلْ لَهُ قَلْبَ الشَّاكِرِينَ وَلِسَانَ الذَّاكِرِينَ وَثَوَابَ الْمُنِيبِينَ وَأَعْمَالَ الصِّدِّيقِينَ ، وَلَا يُوَاظِبُ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا نَبِيٌّ أَوْ صِدِّيقٌ أَوْ عَبْدٌ امْتَحَنْتُ قَلْبَهُ لِلْإِيمَانِ أَوْ أُرِيدُ قَتْلَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ " وَهَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ جِدًّا .

حَدِيثٌ آخَرُ فِي أَنَّهَا تَحْفَظُ مَنْ قَرَأَهَا أَوَّلَ النَّهَارِ وَأَوَّلَ اللَّيْلِ : قَالَ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ الْمُغِيرَةِ أَبُو سَلَمَةَ الْمَخْزُومِيُّ الْمَدِينِيُّ ، أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَلِيكِيِّ ، عَنْ [ ص: 678 ] زُرَارَةَ بْنِ مُصْعَبٍ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ قَرَأَ : ( حم ) الْمُؤْمِنَ إِلَى : ( إِلَيْهِ الْمَصِيرُ ) وَآيَةَ الْكُرْسِيِّ حِينَ يُصْبِحُ حُفِظَ بِهِمَا حَتَّى يُمْسِيَ ، وَمَنْ قَرَأَهُمَا حِينَ يُمْسِي حُفِظَ بِهِمَا حَتَّى يُصْبِحَ " ثُمَّ قَالَ : هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ ، وَقَدْ تَكَلَّمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ الْمَلِيكِيِّ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ .

وَقَدْ وَرَدَ فِي فَضِيلَتِهَا أَحَادِيثُ أُخَرُ تَرَكْنَاهَا اخْتِصَارًا لِعَدَمِ صِحَّتِهَا وَضَعْفِ أَسَانِيدِهَا كَحَدِيثٍ عَلَى قِرَاءَتِهَا عِنْدَ الْحِجَامَةِ : أَنَّهَا تَقُومُ مَقَامَ حِجَامَتَيْنِ ، وَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي كِتَابَتِهَا فِي الْيَدِ الْيُسْرَى بِالزَّعْفَرَانِ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَتُلْحَسُ لِلْحِفْظِ وَعَدَمِ النِّسْيَانِ ، أَوْرَدَهُمَا ابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَغَيْرُ ذَلِكَ . وَهَذِهِ الْآيَةُ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى عَشْرِ جُمَلٍ مُسْتَقِلَّةٍ .

فَقَوْلُهُ : ( اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ) إِخْبَارٌ بِأَنَّهُ الْمُتَفَرِّدُ بِالْإِلَهِيَّةِ لِجَمِيعِ الْخَلَائِقِ ) الْحَيُّ الْقَيُّومُ ) أَيِ : الْحَيُّ فِي نَفْسِهِ الَّذِي لَا يَمُوتُ أَبَدًا الْقَيِّمُ لِغَيْرِهِ ، وَكَانَ عُمَرُ يَقْرَأُ : " الْقَيَّامُ " فَجَمِيعُ الْمَوْجُودَاتِ مُفْتَقِرَةٌ إِلَيْهِ وَهُوَ غَنِيٌّ عَنْهَا ، وَلَا قَوَامَ لَهَا بِدُونِ أَمْرِهِ كَقَوْلِهِ : ( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ) [ الرُّومِ : 25 ] وَقَوْلُهُ : ( لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ) أَيْ : لَا يَعْتَرِيهِ نَقْصٌ وَلَا غَفْلَةٌ وَلَا ذُهُولٌ عَنْ خَلْقِهِ بَلْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ شَهِيدٌ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ لَا يَغِيبُ عَنْهُ شَيْءٌ وَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ ، وَمِنْ تَمَامِ الْقَيُّومِيَّةِ أَنَّهُ لَا يَعْتَرِيهِ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ، فَقَوْلُهُ : ( لَا تَأْخُذُهُ ) أَيْ : لَا تَغْلِبُهُ سِنَةٌ وَهِيَ الْوَسَنُ وَالنُّعَاسُ وَلِهَذَا قَالَ : ( وَلَا نَوْمٌ ) لِأَنَّهُ أَقْوَى مِنَ السِّنَةِ . وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ : قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ فَقَالَ : " إِنَّ اللَّهَ لَا يَنَامُ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ ، يُخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ ، يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ ، وَعَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ ، حِجَابُهُ النُّورُ أَوِ النَّارُ لَوْ كَشَفَهُ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ " .

وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ : أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ ، أَخْبَرَنِي الْحَكَمُ بْنُ أَبَانَ ، عَنْ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ : ( لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ) أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ سَأَلَ الْمَلَائِكَةَ هَلْ يَنَامُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ؟ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى الْمَلَائِكَةِ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُؤَرِّقُوهُ ثَلَاثًا فَلَا يَتْرُكُوهُ يَنَامُ فَفَعَلُوا ثُمَّ أَعْطَوْهُ قَارُورَتَيْنِ فَأَمْسَكَهُمَا ثُمَّ تَرَكُوهُ وَحَذَّرُوهُ أَنْ يَكْسِرَهُمَا . قَالَ : فَجَعَلَ يَنْعَسُ وَهُمَا فِي يَدِهِ فِي كُلِّ يَدٍ وَاحِدَةٍ قَالَ : فَجَعَلَ يَنْعَسُ وَيَنْبَهُ وَيَنْعَسُ وَيَنْبَهُ حَتَّى نَعَسَ نَعْسَةً فَضَرَبَ إِحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى فَكَسَرَهُمَا . قَالَ مَعْمَرٌ : إِنَّمَا هُوَ مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ : فَكَذَلِكَ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ فِي يَدَيْهِ .

وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ يَحْيَى عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ فَذَكَرَهُ ، وَهُوَ مِنْ أَخْبَارِ بَنِي إِسْرَائِيلَ ، وَهُوَ مِمَّا يُعْلَمُ أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِثْلُ هَذَا مِنْ أَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَنَّهُ مُنَزَّهٌ عَنْهُ [ ص: 679 ]

وَأَغْرَبُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ :

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي إِسْرَائِيلَ ، حَدَّثْنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ ، عَنْ أُمَيَّةَ بْنِ شِبْلٍ ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانَ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْكِي عَنْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ ، قَالَ : " وَقَعَ فِي نَفْسِ مُوسَى : هَلْ يَنَامُ اللَّهُ ؟ فَأَرْسَلَ اللَّهُ إِلَيْهِ مَلَكًا فَأَرَّقَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ أَعْطَاهُ قَارُورَتَيْنِ فِي كُلِّ يَدٍ قَارُورَةٌ وَأَمَرَهُ أَنْ يَحْتَفِظَ بِهِمَا " . قَالَ : " فَجَعَلَ يَنَامُ تَكَادُ يَدَاهُ تَلْتَقِيَانِ فَيَسْتَيْقِظُ فَيَحْبِسُ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى ، حَتَّى نَامَ نَوْمَةً فَاصْطَفَقَتْ يَدَاهُ فَانْكَسَرَتِ الْقَارُورَتَانِ " قَالَ : " ضَرَبَ اللَّهُ لَهُ مَثَلًا عَزَّ وَجَلَّ : أَنَّ اللَّهَ لَوْ كَانَ يَنَامُ لَمْ تَسْتَمْسِكِ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ " .

وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ جِدًّا وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ إِسْرَائِيلِيٌّ لَا مَرْفُوعٌ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ . وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ عَطِيَّةَ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّشْتِكِيُّ ، حَدَّثَنِي أَبِي ، عَنْ أَبِيهِ ، حَدَّثَنَا أَشْعَثُ بْنُ إِسْحَاقَ ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي الْمُغِيرَةِ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَالُوا : يَا مُوسَى هَلْ يَنَامُ رَبُّكَ ؟ قَالَ : اتَّقُوا اللَّهَ . فَنَادَاهُ رَبُّهُ عَزَّ وَجَلَّ : يَا مُوسَى سَأَلُوكَ : هَلْ يَنَامُ رَبُّكَ فَخُذْ زُجَاجَتَيْنِ فِي يَدَيْكَ فَقُمِ اللَّيْلَةَ فَفَعَلَ مُوسَى فَلَمَّا ذَهَبَ مِنَ اللَّيْلِ ثُلُثٌ نَعَسَ فَوَقَعَ لِرُكْبَتَيْهِ ، ثُمَّ انْتَعَشَ فَضَبَطَهُمَا حَتَّى إِذَا كَانَ آخِرُ اللَّيْلِ نَعَسَ فَسَقَطَتِ الزُّجَاجَتَانِ فَانْكَسَرَتَا . فَقَالَ : يَا مُوسَى ، لَوْ كُنْتُ أَنَامُ لَسَقَطَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ فَهَلَكْنَ كَمَا هَلَكَتِ الزُّجَاجَتَانِ فِي يَدَيْكَ . وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ .

وَقَوْلُهُ : ( لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ) إِخْبَارٌ بِأَنَّ الْجَمِيعَ عَبِيدُهُ وَفِي مُلْكِهِ وَتَحْتَ قَهْرِهِ وَسُلْطَانِهِ كَقَوْلِهِ :

( إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا ) [ مَرْيَمَ : 9395 ] .

وَقَوْلُهُ : ( مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ) كَقَوْلِهِ : ( وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى ) [ النَّجْمِ : 26 ] وَكَقَوْلِهِ : ( وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى ) [ الْأَنْبِيَاءِ : 28 ] وَهَذَا مِنْ عَظَمَتِهِ وَجَلَالِهِ وَكِبْرِيَائِهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ لَا يَتَجَاسَرُ أَحَدٌ عَلَى أَنْ يَشْفَعَ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ لَهُ فِي الشَّفَاعَةِ كَمَا فِي حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ : " آتِي تَحْتَ الْعَرْشِ فَأَخِرُّ سَاجِدًا فَيَدَعُنِي مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدَعَنِي ثُمَّ يُقَالُ : ارْفَعْ رَأْسَكَ ، وَقُلْ تُسْمَعْ ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ " قَالَ : " فَيَحِدُّ لِي حَدًّا فَأُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ " .

وَقَوْلُهُ : ( يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ) دَلِيلٌ عَلَى إِحَاطَةِ عِلْمِهِ بِجَمِيعِ الْكَائِنَاتِ : مَاضِيهَا وَحَاضِرِهَا وَمُسْتَقْبَلِهَا كَقَوْلِهِ إِخْبَارًا عَنِ الْمَلَائِكَةِ : ( وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا ) [ مَرْيَمَ : 64 ] .

وَقَوْلُهُ : ( وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ ) أَيْ : لَا يَطَّلِعُ أَحَدٌ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ عَلَى شَيْءٍ إِلَّا [ ص: 680 ] بِمَا أَعْلَمَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَأَطْلَعَهُ عَلَيْهِ . وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ لَا يَطَّلِعُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ عِلْمِ ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ إِلَّا بِمَا أَطْلَعَهُمُ اللَّهُ عَلَيْهِ كَقَوْلِهِ : ( وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا ) [ طَهَ : 110 ] .

وَقَوْلُهُ : ( وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ) قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ : حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ ، حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ ، عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ طَرِيفٍ ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي الْمُغِيرَةِ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ : ( وَسِعَ كُرْسِيُّهُ ) قَالَ : عِلْمُهُ ، وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِدْرِيسَ وَهُشَيْمٍ كِلَاهُمَا عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ طَرِيفٍ بِهِ .

قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ : وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ مِثْلُهُ . ثُمَّ قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ : وَقَالَ آخَرُونَ : الْكُرْسِيُّ مَوْضِعُ الْقَدَمَيْنِ . ثُمَّ رَوَاهُ عَنْ أَبِي مُوسَى وَالسُّدِّيِّ وَالضَّحَّاكِ وَمُسْلِمٍ الْبَطِينِ .

وَقَالَ شُجَاعُ بْنُ مَخْلَدٍ فِي تَفْسِيرِهِ : أَخْبَرَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ : ( وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ) قَالَ : " كُرْسِيُّهُ مَوْضِعُ قَدَمَيْهِ ، وَالْعَرْشُ لَا يُقَدِّرُ قَدْرَهُ إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ " .

كَذَا أَوْرَدَ هَذَا الْحَدِيثَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرِ بْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ شُجَاعِ بْنِ مَخْلَدٍ الْفَلَّاسِ ، فَذَكَرَهُ وَهُوَ غَلَطٌ ، وَقَدْ رَوَاهُ وَكِيعٌ فِي تَفْسِيرِهِ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : الْكُرْسِيُّ مَوْضِعُ الْقَدَمَيْنِ ، وَالْعَرْشُ لَا يُقَدِّرُ أَحَدٌ قَدْرَهُ . وَقَدْ رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْمَحْبُوبِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُعَاذٍ عَنْ أَبِي عَاصِمٍ عَنْ سُفْيَانَ وَهُوَ الثَّوْرِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا مِثْلَهُ وَقَالَ : صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ ، وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ الْحَاكِمِ بْنِ ظُهَيْرٍ الْفَزَارِيِّ الْكُوفِيِّ وَهُوَ مَتْرُوكٌ عَنِ السُّدِّيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا وَلَا يَصِحُّ أَيْضًا .

وَقَالَ السُّدِّيُّ عَنْ أَبِي مَالِكٍ : الْكُرْسِيُّ تَحْتَ الْعَرْشِ . وَقَالَ السُّدِّيُّ : السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ فِي جَوْفِ الْكُرْسِيِّ ، وَالْكُرْسِيُّ بَيْنَ يَدَيِ الْعَرْشِ . وَقَالَ الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : لَوْ أَنَّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعَ وَالْأَرْضِينَ السَّبْعَ بُسِطْنَ ثُمَّ وُصِلْنَ بَعْضُهُنَّ إِلَى بَعْضٍ مَا كُنَّ فِي سِعَةِ الْكُرْسِيِّ إِلَّا بِمَنْزِلَةِ الْحَلْقَةِ فِي الْمَفَازَةِ .

وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ .

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ : حَدَّثَنِي يُونُسُ أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ : قَالَ ابْنُ زَيْدٍ : حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَا السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ فِي الْكُرْسِيِّ إِلَّا كَدَرَاهِمَ سَبْعَةٍ أُلْقِيَتْ فِي تُرْسٍ " . قَالَ : وَقَالَ أَبُو ذَرٍّ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " مَا الْكُرْسِيُّ فِي الْعَرْشِ إِلَّا كَحَلْقَةٍ مِنْ حَدِيدٍ أُلْقِيَتْ بَيْنَ ظَهْرَيْ فَلَاةٍ مِنَ الْأَرْضِ " .

وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ مَرْدَوَيْهِ : أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وُهَيْبٍ الْغَزِّيُّ [ ص: 681 ] أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي السَّرِيُّ الْعَسْقَلَانِيُّ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التَّمِيمِيُّ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ الثَّقَفِيِّ عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانَيِّ عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ ، أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْكُرْسِيِّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُونَ السَّبْعُ عِنْدَ الْكُرْسِيِّ إِلَّا كَحَلْقَةٍ مُلْقَاةٍ بِأَرْضِ فَلَاةٍ ، وَإِنَّ فَضْلَ الْعَرْشِ عَلَى الْكُرْسِيِّ كَفَضْلِ الْفَلَاةِ عَلَى تِلْكَ الْحَلْقَةِ " .

وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ : حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَلِيفَةَ عَنْ عُمَرَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : أَتَتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتِ : ادْعُ اللَّهَ أَنْ يُدْخِلَنِي الْجَنَّةَ . قَالَ : فَعَظَّمَ الرَّبَّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَقَالَ : " إِنَّ كُرْسِيَّهُ وَسِعَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ، وَإِنَّ لَهُ أَطِيطًا كَأَطِيطِ الرَّحْلِ الْجَدِيدِ مِنْ ثِقَلِهِ " .

وَقَدْ رَوَاهُ الْحَافِظُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ الْمَشْهُورِ ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرَيْهِمَا ، وَالطَّبَرَانَيُّ وَابْنُ أَبِي عَاصِمٍ فِي كِتَابَيِ السُّنَّةِ لَهُمَا ، وَالْحَافِظُ الضِّيَاءُ فِي كِتَابِ " الْمُخْتَارِ " مِنْ حَدِيثِ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَلِيفَةَ وَلَيْسَ بِذَاكَ الْمَشْهُورِ وَفِي سَمَاعِهِ مِنْ عُمَرَ نَظَرٌ ، ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ يَرْوِيهِ عَنْهُ عَنْ عُمَرَ مَوْقُوفًا ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَرْوِيهِ عَنْهُ مُرْسَلًا ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَزِيدُ فِي مَتْنِهِ زِيَادَةً غَرِيبَةً ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَحْذِفُهَا .

وَأَغْرَبُ مِنْ هَذَا حَدِيثُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ فِي صِفَةِ الْعَرْشِ كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي كِتَابِهِ السُّنَّةِ مِنْ سُنَنِهِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَقَدْ رَوَى ابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَغَيْرُهُ أَحَادِيثَ عَنْ بُرَيْدَةَ وَجَابِرٍ وَغَيْرِهِمَا فِي وَضْعِ الْكُرْسِيِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِفَصْلِ الْقَضَاءِ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ الْمَذْكُورِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ .

وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ الْمُتَكَلِّمِينَ عَلَى عِلْمِ الْهَيْئَةِ مِنَ الْإِسْلَامِيِّينَ : أَنَّ الْكُرْسِيَّ عِنْدَهُمْ هُوَ الْفَلَكُ الثَّامِنُ وَهُوَ فَلَكُ الثَّوَابِتِ الَّذِي فَوْقَهُ الْفَلَكُ التَّاسِعُ وَهُوَ الْفَلَكُ الْأَثِيرُ وَيُقَالُ لَهُ : الْأَطْلَسُ . وَقَدْ رَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ آخَرُونَ .

وَرَوَى ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقِ جُوَيْبِرٍ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ : الْكُرْسِيُّ هُوَ الْعَرْشُ . وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْكُرْسِيَّ غَيْرُ الْعَرْشِ ، وَالْعَرْشَ أَكْبَرُ مِنْهُ ، كَمَا دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ الْآثَارُ وَالْأَخْبَارُ ، وَقَدِ اعْتَمَدَ ابْنُ جَرِيرٍ عَلَى حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَلِيفَةَ ، عَنْ عُمَرَ فِي ذَلِكَ ، وَعِنْدِي فِي صِحَّتِهِ نَظَرٌ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَقَوْلُهُ : ( وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا ) أَيْ : لَا يُثْقِلُهُ وَلَا يُكْرِثُهُ حِفْظُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِمَا وَمَنْ [ ص: 682 ] بَيْنَهُمَا ، بَلْ ذَلِكَ سَهْلٌ عَلَيْهِ يَسِيرٌ لَدَيْهِ وَهُوَ الْقَائِمُ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ ، الرَّقِيبُ عَلَى جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ ، فَلَا يَعْزُبُ عَنْهُ شَيْءٌ وَلَا يَغِيبُ عَنْهُ شَيْءٌ وَالْأَشْيَاءُ كُلُّهَا حَقِيرَةٌ بَيْنَ يَدَيْهِ مُتَوَاضِعَةٌ ذَلِيلَةٌ صَغِيرَةٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ ، مُحْتَاجَةٌ فَقِيرَةٌ وَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ الْفَعَّالُ لَمَّا يُرِيدُ ، الَّذِي لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ . وَهُوَ الْقَاهِرُ لِكُلِّ شَيْءٍ الْحَسِيبُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ الرَّقِيبُ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ لَا إِلَهَ غَيْرُهُ وَلَا رَبَّ سِوَاهُ . فَقَوْلُهُ : ( وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ) كَقَوْلِهِ : ( وَهُوَ [ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ) وَكَقَوْلِهِ ] : ( الْكَبِيرُ الْمُتَعَالُ ) [ الرَّعْدِ : 9 ] .

وَهَذِهِ الْآيَاتُ وَمَا فِي مَعْنَاهَا مِنَ الْأَحَادِيثِ الصِّحَاحِ الْأَجْوَدُ فِيهَا طَرِيقَةُ السَّلَفِ الصَالِحٍ إِمْرَارُهَا كَمَا جَاءَتْ مِنْ غَيْرِ تَكْيِيفٍ وَلَا تَشْبِيهٍ .
166
( لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِالْلَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ( 256 ) )

يَقُولُ تَعَالَى : ( لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ) أَيْ : لَا تُكْرِهُوا أَحَدًا عَلَى الدُّخُولِ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ بَيِّنٌ وَاضِحٌ جَلِيٌّ دَلَائِلُهُ وَبَرَاهِينُهُ لَا يَحْتَاجُ إِلَى أَنْ يُكْرَهَ أَحَدٌ عَلَى الدُّخُولِ فِيهِ ، بَلْ مَنْ هَدَاهُ اللَّهُ لِلْإِسْلَامِ وَشَرَحَ صَدْرَهُ وَنَوَّرَ بَصِيرَتَهُ دَخَلَ فِيهِ عَلَى بَيِّنَةٍ ، وَمَنْ أَعْمَى اللَّهُ قَلَبَهُ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَبَصَرِهِ فَإِنَّهُ لَا يُفِيدُهُ الدُّخُولُ فِي الدِّينِ مُكْرَهًا مَقْسُورًا . وَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّ سَبَبَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ فِي قَوْمٍ مِنَ الْأَنْصَارِ ، وَإِنْ كَانَ حُكْمُهَا عَامًّا .

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ : حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : كَانَتِ الْمَرْأَةُ تَكُونُ مِقْلَاتًا فَتَجْعَلُ عَلَى نَفْسِهَا إِنْ عَاشَ لَهَا وَلَدٌ أَنْ تُهَوِّدَهُ ، فَلَمَّا أُجْلِيَتْ بَنُو النَّضِيرِ كَانَ فِيهِمْ مِنْ أَبْنَاءِ الْأَنْصَارِ فَقَالُوا : لَا نَدَعُ أَبْنَاءَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : ( لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ )

وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ جَمِيعًا عَنْ بُنْدَارٍ بِهِ وَمِنْ وُجُوهٍ أُخَرَ عَنْ شُعْبَةَ بِهِ نَحْوَهُ . وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ بِهِ ، وَهَكَذَا ذَكَرَ مُجَاهِدٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالشَّعْبِيُّ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَغَيْرُهُمْ : أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ .

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْجُرَشِيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ عِكْرِمَةَ أَوْ عَنْ سَعِيدِ [ بْنِ جُبَيْرٍ ] عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ : ( لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ) قَالَ : نَزَلَتْ فِي رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ مِنْ بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ يُقَالُ لَهُ : الْحُصَيْنِيُّ كَانَ لَهُ ابْنَانِ نَصْرَانِيَّانِ ، وَكَانَ هُوَ رَجُلًا مُسْلِمًا فَقَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَلَا أَسْتَكْرِهَهُمَا فَإِنَّهُمَا قَدْ أَبَيَا إِلَّا النَّصْرَانِيَّةَ ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ ذَلِكَ .

رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَرَوَى السُّدِّيُّ نَحْوَ ذَلِكَ وَزَادَ : وَكَانَا قَدْ تَنَصَّرَا عَلَى يَدَيْ تُجَّارٍ قَدِمُوا مِنَ الشَّامِ يَحْمِلُونَ زَيْتًا فَلَمَّا عَزَمَا عَلَى الذَّهَابِ مَعَهُمْ أَرَادَ أَبُوهُمَا أَنْ يَسْتَكْرِهَهُمَا ، وَطَلَبَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ يَبْعَثَ فِي آثَارِهِمَا ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ[ ص: 683 ]

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ : حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْفٍ أَخْبَرَنَا شَرِيكٌ عَنْ أَبِي هِلَالٍ عَنْ أُسَقَ قَالَ : كُنْتُ فِي دِينِهِمْ مَمْلُوكًا نَصْرَانِيًّا لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَكَانَ يَعْرِضُ عَلَيَّ الْإِسْلَامَ فَآبَى فَيَقُولُ : ( لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ) وَيَقُولُ : يَا أُسَقُ لَوْ أَسْلَمْتَ لَاسْتَعَنَّا بِكَ عَلَى بَعْضِ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ .

وَقَدْ ذَهَبَ طَائِفَةٌ كَثِيرَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ هَذِهِ مَحْمُولَةٌ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ وَمَنْ دَخَلَ فِي دِينِهِمْ قَبْلَ النَّسْخِ وَالتَّبْدِيلِ إِذَا بَذَلُوا الْجِزْيَةَ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هِيَ مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ الْقِتَالِ وَأَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُدْعَى جَمِيعُ الْأُمَمِ إِلَى الدُّخُولِ فِي الدِّينِ الْحَنِيفِ دِينِ الْإِسْلَامِ ، فَإِنْ أَبَى أَحَدٌ مِنْهُمُ الدُّخُولَ فِيهِ وَلَمْ يَنْقَدْ لَهُ أَوْ يَبْذُلِ الْجِزْيَةَ ، قُوتِلَ حَتَّى يُقْتَلَ . وَهَذَا مَعْنَى الْإِكْرَاهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : ( سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ ) [ الْفَتْحِ : 16 ] وَقَالَ تَعَالَى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ) [ التَّحْرِيمِ : 9 ] وَقَالَ تَعَالَى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ) [ التَّوْبَةِ : 123 ] وَفِي الصَّحِيحِ : " عَجِبَ رَبُّكَ مِنْ قَوْمٍ يُقَادُونَ إِلَى الْجَنَّةِ فِي السَّلَاسِلِ " يَعْنِي : الْأَسَارَى الَّذِينَ يَقَدَمُ بِهِمْ بِلَادَ الْإِسْلَامِ فِي الْوَثَائِقِ وَالْأَغْلَالِ وَالْقُيُودِ وَالْأَكْبَالِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يُسْلِمُونَ وَتَصْلُحُ أَعْمَالُهُمْ وَسَرَائِرُهُمْ فَيَكُونُونَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ .

فَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِرَجُلٍ : " أَسْلِمْ " قَالَ : إِنِّي أَجِدُنِي كَارِهًا . قَالَ : " وَإِنْ كُنْتَ كَارِهًا " فَإِنَّهُ ثُلَاثِيٌّ صَحِيحٌ ، وَلَكِنْ لَيْسَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ ، فَإِنَّهُ لَمْ يُكْرِهْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْإِسْلَامِ بَلْ دَعَاهُ إِلَيْهِ فَأَخْبَرَ أَنَّ نَفْسَهُ لَيْسَتْ قَابِلَةً لَهُ بَلْ هِيَ كَارِهَةٌ فَقَالَ لَهُ : " أَسْلِمْ وَإِنْ كُنْتَ كَارِهًا ؛ فَإِنَّ اللَّهَ سَيَرْزُقُكَ حُسْنَ النِّيَّةِ وَالْإِخْلَاصِ " .

وَقَوْلُهُ : ( فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِالْلَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) أَيْ : مَنْ خَلَعَ الْأَنْدَادَ وَالْأَوْثَانَ وَمَا يَدْعُو إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ مِنْ عِبَادَةِ كُلِّ مَا يُعْبَدُ مَنْ دُونِ اللَّهِ ، وَوَحَّدَ اللَّهَ فَعَبَدَهُ وَحْدَهُ وَشَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ( فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى ) أَيْ : فَقَدْ ثَبَتَ فِي أَمْرِهِ وَاسْتَقَامَ عَلَى الطَّرِيقَةِ الْمُثْلَى وَالصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ .

قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ : حَدَّثَنَا أَبُو رَوْحٍ الْبَلَدِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ سَلَّامُ بْنُ سُلَيْمٍ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ حَسَّانَ هُوَ ابْنُ فَائِدٍ الْعَبْسِيُّ قَالَ : قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : إِنَّ الْجِبْتَ : السَّحَرُ ، وَالطَّاغُوتَ : الشَّيْطَانُ ، وَإِنَّ الشَّجَاعَةَ وَالْجُبْنَ غَرَائِزُ تَكُونُ فِي الرِّجَالِ ، يُقَاتِلُ الشُّجَاعُ عَمَّنْ لَا يَعْرِفُ وَيَفِرُّ الْجَبَانُ مِنْ أُمِّهِ ، وَإِنَّ كَرَمَ الرَّجُلِ دِينُهُ ، وَحَسَبَهُ خُلُقُهُ ، وَإِنْ كَانَ فَارِسِيًّا أَوْ نَبَطِيًّا . وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ حَدِيثِ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ حَسَّانَ بْنِ فَائِدٍ الْعَبْسِيِّ عَنْ عُمَرَ فَذِكَرَهُ .

وَمَعْنَى قَوْلِهِ فِي الطَّاغُوتِ : إِنَّهُ الشَّيْطَانُ قَوِيٌّ جِدًّا فَإِنَّهُ يَشْمَلُ كُلَّ شَرٍّ كَانَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ ، مِنْ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ وَالتَّحَاكُمِ إِلَيْهَا وَالِاسْتِنْصَارِ بِهَا .

وَقَوْلُهُ : ( فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا ) أَيْ : فَقَدِ اسْتَمْسَكَ مِنَ الدِّينِ بِأَقْوَى سَبَبٍ ، [ ص: 684 ] وَشَبَّهَ ذَلِكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى الَّتِي لَا تَنْفَصِمُ فَهِيَ فِي نَفْسِهَا مُحْكَمَةٌ مُبْرَمَةٌ قَوِيَّةٌ وَرَبْطُهَا قَوِيٌّ شَدِيدٌ وَلِهَذَا قَالَ : ( فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) .

قَالَ مُجَاهِدٌ : ( فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى ) يَعْنِي : الْإِيمَانُ . وَقَالَ السُّدِّيُّ : هُوَ الْإِسْلَامُ . وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالضَّحَّاكُ : يَعْنِي لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ . وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ : ( بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى ) : الْقُرْآنُ . وَعَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ قَالَ : هُوَ الْحُبُّ فِي اللَّهِ وَالْبُغْضُ فِي اللَّهِ . وَكُلُّ هَذِهِ الْأَقْوَالِ صَحِيحَةٌ وَلَا تَنَافِيَ بَيْنَهَا .

وَقَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ فِي قَوْلِهِ : ( لَا انْفِصَامَ لَهَا ) أَيْ : لَا انْقِطَاعَ لَهَا دُونَ دُخُولِ الْجَنَّةِ .

وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ : ( فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا ) ثُمَّ قَرَأَ : ( إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ) [ الرَّعْدِ : 11 ] .

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ عَبَّادٍ قَالَ : كُنْتُ فِي الْمَسْجِدِ فَجَاءَ رَجُلٌ فِي وَجْهِهِ أَثَرٌ مِنْ خُشُوعٍ ، فَدَخَلَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ أَوْجَزَ فِيهِمَا فَقَالَ الْقَوْمُ : هَذَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ . فَلَمَّا خَرَجَ اتَّبَعْتُهُ حَتَّى دَخَلَ مَنْزِلَهُ فَدَخَلْتُ مَعَهُ فَحَدَّثْتُهُ فَلَمَّا اسْتَأْنَسَ قُلْتُ لَهُ : إِنَّ الْقَوْمَ لَمَّا دَخَلْتَ قَبْلُ الْمَسْجِدَ قَالُوا كَذَا وَكَذَا . قَالَ : سُبْحَانَ اللَّهِ مَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ مَا لَا يَعْلَمُ ، وَسَأُحَدِّثُكَ لِمَ : إِنِّي رَأَيْتُ رُؤْيَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَصَصْتُهَا عَلَيْهِ : رَأَيْتُ كَأَنِّي فِي رَوْضَةٍ خَضْرَاءَ - قَالَابْنُ عَوْنٍ : فَذَكَرَ مِنْ خُضْرَتِهَا وَسِعَتِهَا - وَسَطُهَا عَمُودُ حَدِيدٍ أَسْفَلُهُ فِي الْأَرْضِ وَأَعْلَاهُ فِي السَّمَاءِ فِي أَعْلَاهُ عُرْوَةٌ ، فَقِيلَ لِيَ : اصْعَدْ عَلَيْهِ فَقُلْتُ : لَا أَسْتَطِيعُ . فَجَاءَنِي مِنْصَفٌ قَالَ ابْنُ عَوْنٍ : هُوَ الْوَصِيفُ ، فَرَفَعَ ثِيَابِي مِنْ خَلْفِي ، فَقَالَ : اصْعَدْ . فَصَعِدْتُ حَتَّى أَخَذْتُ بِالْعُرْوَةِ فَقَالَ : اسْتَمْسِكْ بِالْعُرْوَةِ . فَاسْتَيْقَظْتُ وَإِنَّهَا لَفِي يَدِي ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَصَصْتُهَا عَلَيْهِ . فَقَالَ : " أَمَّا الرَّوْضَةُ فَرَوْضَةُ الْإِسْلَامِ ، وَأَمَّا الْعَمُودُ فَعَمُودُ الْإِسْلَامِ ، وَأَمَّا الْعُرْوَةُ فَهِيَ الْعُرْوَةُ الْوُثْقَى ، أَنْتَ عَلَى الْإِسْلَامِ حَتَّى تَمُوتَ " .

قَالَ : وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ بِهِ .

طَرِيقٌ أُخْرَى وَسِيَاقٌ آخَرُ : قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ مُوسَى وَعَفَّانُ قَالَا : حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ عَنِ الْمُسَيَّبِ بْنِ رَافِعٍ عَنْ خَرَشَةَ بْنِ الْحُرِّ قَالَ : قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَجَلَسْتُ إِلَى مَشْيَخَةٍ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَجَاءَ شَيْخٌ يَتَوَكَّأُ عَلَى عَصًا لَهُ فَقَالَ الْقَوْمُ : مَنْ سَرَّهُ أَنَّ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا . فَقَامَ خَلْفَ سَارِيَةٍ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَقُمْتُ إِلَيْهِ ، فَقُلْتُ لَهُ : قَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ : كَذَا وَكَذَا . فَقَالَ : الْجَنَّةُ لِلَّهِ يُدْخِلُهَا مَنْ يَشَاءُ ، وَإِنِّي رَأَيْتُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُؤْيَا ، رَأَيْتُ كَأَنَّ رَجُلًا أَتَانِي فَقَالَ : انْطَلِقْ . فَذَهَبْتُ مَعَهُ فَسَلَكَ بِي مَنْهَجًا عَظِيمًا فَعَرَضَتْ لِي طَرِيقٌ عَنْ يَسَارِي ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَسْلُكَهَا . فَقَالَ : إِنَّكَ لَسْتَ مِنْ أَهْلِهَا . ثُمَّ عَرَضَتْ لِي طَرِيقٌ عَنْ [ ص: 685 ] يَمِينِي فَسَلَكْتُهَا حَتَّى انْتَهَتْ إِلَى جَبَلٍ زَلَقٍ فَأَخَذَ بِيَدِي فَزَجَلَ فَإِذَا أَنَا عَلَى ذُرْوَتِهِ ، فَلَمْ أَتَقَارَّ وَلَمْ أَتَمَاسَكْ فَإِذَا عَمُودُ حَدِيدٍ فِي ذُرْوَتِهِ حَلْقَةٌ مِنْ ذَهَبٍ فَأَخَذَ بِيَدِي فَزَجَلَ حَتَّى أَخَذْتُ بِالْعُرْوَةِ فَقَالَ : اسْتَمْسِكْ . فَقُلْتُ : نَعَمْ . فَضَرَبَ الْعَمُودَ بِرِجْلِهِ فَاسْتَمْسَكْتُ بِالْعُرْوَةِ ، فَقَصَصْتُهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : " رَأَيْتَ خَيْرًا ، أَمَّا الْمَنْهَجُ الْعَظِيمُ فَالْمَحْشَرُ ، وَأَمَّا الطَّرِيقُ الَّتِي عَرَضَتْ عَنْ يَسَارِكَ فَطَرِيقُ أَهْلِ النَّارِ ، وَلَسْتَ مِنْ أَهْلِهَا ، وَأَمَّا الطَّرِيقُ الَّتِي عَرَضَتْ عَنْ يَمِينِكَ فَطَرِيقُ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، وَأَمَّا الْجَبَلُ الزَّلَقُ فَمَنْزِلُ الشُّهَدَاءِ ، وَأَمَّا الْعُرْوَةُ الَّتِي اسْتَمْسَكْتَ بِهَا فَعُرْوَةُ الْإِسْلَامِ ، فَاسْتَمْسِكْ بِهَا حَتَّى تَمُوتَ " . قَالَ : فَإِنَّمَا أَرْجُو أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ . قَالَ : وَإِذَا هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ .

وَهَكَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ عَفَّانَ ، وَابْنِ مَاجَهْ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُوسَى الْأَشْيَبِ كِلَاهُمَا عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ بِهِ نَحْوَهُ . وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُسْهِرٍ عَنْ خَرَشَةَ بْنِ الْحُرِّ الْفَزَارِيِّ بِهِ .

167
( اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ( 257 ) )

يُخْبِرُ تَعَالَى أَنَّهُ يَهْدِي مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ فَيُخْرِجُ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ ظُلُمَاتِ الْكُفْرِ وَالشَّكِّ وَالرَّيْبِ إِلَى نُورِ الْحَقِّ الْوَاضِحِ الْجَلِيِّ الْمُبِينِ السَّهْلِ الْمُنِيرِ ، وَأَنَّ الْكَافِرِينَ إِنَّمَا وَلِيُّهُمُ الشَّيَاطِينُ تُزَيِّنُ لَهُمْ مَا هُمْ فِيهِ مِنَ الْجَهَالَاتِ وَالضَّلَالَاتِ ، وَيُخْرِجُونَهُمْ وَيَحِيدُونَ بِهِمْ عَنْ طَرِيقِ الْحَقِّ إِلَى الْكُفْرِ وَالْإِفْكِ ( أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ )

وَلِهَذَا وَحَّدَ تَعَالَى لَفْظَ النُّورِ وَجَمَعَ الظُّلُمَاتِ ; لِأَنَّ الْحَقَّ وَاحِدٌ وَالْكُفْرَ أَجْنَاسٌ كَثِيرَةٌ وَكُلُّهَا بَاطِلَةٌ كَمَا قَالَ : ( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) [ الْأَنْعَامِ : 153 ] وَقَالَ تَعَالَى : ( وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ) [ الْأَنْعَامِ : 1 ] وَقَالَ تَعَالَى : ( عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ ) [ النَّحْلِ : 48 ] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ الَّتِي فِي لَفْظِهَا إِشْعَارٌ بِتَفَرُّدِ الْحَقِّ ، وَانْتِشَارِ الْبَاطِلِ وَتَفَرُّدِهِ وَتَشَعُّبِهِ .

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ : حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَيْسَرَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ خَالِدٍ قَالَ : يُبْعَثُ أَهْلُ الْأَهْوَاءِ أَوْ قَالَ : يُبْعَثُ أَهْلُ الْفِتَنِ ، فَمَنْ كَانَ هَوَاهُ الْإِيمَانَ كَانَتْ فِتْنَتُهُ بَيْضَاءَ مُضِيئَةً ، وَمَنْ كَانَ هَوَاهُ الْكُفْرَ كَانَتْ فِتْنَتُهُ سَوْدَاءَ مُظْلِمَةً ، ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ : ( اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ )
[ ص: 686 ]

168
( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ( 258 ) )

هَذَا الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ وَهُوَ مَلِكُ بَابِلَ : نُمْرُوذُ بْنُ كَنْعَانَ بْنِ كُوشِ بْنِ سَامِ بْنِ نُوحٍ . وَيُقَالُ : نُمْرُودُ بْنُ فَالِخِ بْنِ عَابِرِ بْنِ شَالِخِ بْنِ أَرْفَخْشَذَ بْنِ سَامِ بْنِ نُوحٍ وَالْأَوَّلُ قَوْلُ مُجَاهِدٍ وَغَيْرِهِ .

قَالَ مُجَاهِدٌ : وَمَلَكَ الدُّنْيَا مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا أَرْبَعَةٌ : مُؤْمِنَانِ وَكَافِرَانِ ، فَالْمُؤْمِنَانِ : سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ وَذُو الْقَرْنَيْنِ . وَالْكَافِرَانِ : نُمْرُودُ [ بْنُ كَنْعَانَ ] وَبُخْتَنَصَّرُ . فَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَمَعْنَى قَوْلِهِ : ( أَلَمْ تَرَ ) أَيْ : بِقَلْبِكَ يَا مُحَمَّدُ ( إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ ) أَيْ : [ فِي ] وُجُودِ رَبِّهِ . وَذَلِكَ أَنَّهُ أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ ثَمَّ إِلَهٌ غَيْرُهُ كَمَا قَالَ بَعْدَهُ فِرْعَوْنُ لِمَلَئِهِ : ( مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي ) [ الْقَصَصِ : 38 ] وَمَا حَمَلَهُ عَلَى هَذَا الطُّغْيَانِ وَالْكُفْرِ الْغَلِيظِ وَالْمُعَانَدَةِ الشَّدِيدَةِ إِلَّا تَجَبُّرُهُ ، وَطُولُ مُدَّتِهِ فِي الْمُلْكِ ; وَذَلِكَ أَنَّهُ يُقَالُ : إِنَّهُ مَكَثَ أَرْبَعَمِائَةِ سَنَةٍ فِي مُلْكِهِ ; وَلِهَذَا قَالَ : ( أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ ) وَكَأَنَّهُ طَلَبَ مِنْ إِبْرَاهِيمَ دَلِيلًا عَلَى وُجُودِ الرَّبِّ الَّذِي يَدْعُو إِلَيْهِ فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ : ( رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ ) أَيِ : الدَّلِيلُ عَلَى وُجُودِهِ حُدُوثُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الْمُشَاهَدَةِ بَعْدَ عَدَمِهَا ، وَعَدَمُهَا بَعْدَ وُجُودِهَا . وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى وُجُودِ الْفَاعِلِ الْمُخْتَارِ ضَرُورَةً ; لِأَنَّهَا لَمْ تَحْدُثْ بِنَفْسِهَا فَلَا بُدَّ لَهَا مِنْ مُوجِدٍ أَوْجَدَهَا وَهُوَ الرَّبُّ الَّذِي أَدْعُو إِلَى عِبَادَتِهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ . فَعِنْدَ ذَلِكَ قَالَ الْمُحَاجُّ وَهُوَ النُّمْرُوذُ : ( أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ )

قَالَ قَتَادَةُ وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَالسُّدِّيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ : وَذَلِكَ أَنِّي أَوُتَى بِالرَّجُلَيْنِ قَدِ اسْتَحَقَّا الْقَتْلَ فَآمُرُ بِقَتْلِ أَحَدِهِمَا فَيُقْتَلُ ، وَبِالْعَفْوِ عَنِ الْآخَرِ فَلَا يُقْتَلُ . فَذَلِكَ مَعْنَى الْإِحْيَاءِ وَالْإِمَاتَةِ .

وَالظَّاهِرُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ مَا أَرَادَ هَذَا ; لِأَنَّهُ لَيْسَ جَوَابًا لِمَا قَالَ إِبْرَاهِيمُ وَلَا فِي مَعْنَاهُ ; لِأَنَّهُ غَيْرُ مَانِعٍ لِوُجُودِ الصَّانِعِ . وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّ يَدَّعِيَ لِنَفْسِهِ هَذَا الْمَقَامَ عِنَادًا وَمُكَابَرَةً وَيُوهِمُ أَنَّهُ الْفَاعِلُ لِذَلِكَ وَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يُحَيِّي وَيُمِيتُ ، كَمَا اقْتَدَى بِهِ فِرْعَوْنُ فِي قَوْلِهِ : ( مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي ) وَلِهَذَا قَالَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ لَمَّا ادَّعَى هَذِهِ الْمُكَابَرَةَ : ( فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ ) أَيْ : إِذَا كُنْتَ كَمَا تَدَّعِي مِنْ أَنَّكَ [ أَنْتَ الَّذِي ] تُحْيِي وَتُمِيتُ فَالَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ هُوَ الَّذِي يَتَصَرَّفُ فِي الْوُجُودِ فِي خَلْقِ ذَوَاتِهِ وَتَسْخِيرِ كَوَاكِبِهِ وَحَرَكَاتِهِ ، فَهَذِهِ الشَّمْسُ تَبْدُو كُلَّ يَوْمٍ مِنَ الْمَشْرِقِ ، فَإِنْ كُنْتَ إِلَهًا كَمَا ادَّعَيْتَ تُحْيِي وَتُمِيتُ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ . فَلَمَّا عَلِمَ عَجْزَهُ وَانْقِطَاعَهُ ، وَأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْمُكَابَرَةِ فِي هَذَا الْمَقَامِ بُهِتَ أَيْ : أُخْرِسَ فَلَا يَتَكَلَّمُ ، وَقَامَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ( وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) أَيْ : لَا يُلْهِمُهُمْ حُجَّةً وَلَا بُرْهَانًا بَلْ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ ، وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ .

وَهَذَا التَّنْزِيلُ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى أَحْسَنُ مِمَّا ذَكَرَهُ كَثِيرٌ مِنَ الْمَنْطِقِيِّينَ : أَنَّ عُدُولَ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الْمَقَامِ الْأَوَّلِ إِلَى الْمَقَامِ الثَّانِي انْتِقَالٌ مِنْ دَلِيلٍ إِلَى أَوْضَحَ مِنْهُ ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَدْ يُطْلِقُ عِبَارَةً رَدِيَّةً . وَلَيْسَ كَمَا قَالُوهُ بَلِ الْمَقَامُ الْأَوَّلُ يَكُونُ كَالْمُقَدَّمَةِ لِلثَّانِي وَيُبَيِّنُ بُطْلَانَ مَا ادَّعَاهُ نُمْرُوذُ فِي الْأَوَّلِ وَالثَّانِي ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ[ ص: 687 ]

وَقَدْ ذَكَرَ السُّدِّيُّ أَنَّ هَذِهِ الْمُنَاظَرَةَ كَانَتْ بَيْنَ إِبْرَاهِيمَ وَنُمْرُوذَ بَعْدَ خُرُوجِ إِبْرَاهِيمَ مِنَ النَّارِ وَلَمْ يَكُنِ اجْتَمَعَ بِالْمَلِكِ إِلَّا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فَجَرَتْ بَيْنَهُمَا هَذِهِ الْمُنَاظَرَةُ .

وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ : أَنَّ النُّمْرُوذَ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامٌ وَكَانَ النَّاسُ يَغْدُونَ إِلَيْهِ لِلْمِيرَةِ فَوَفِدَ إِبْرَاهِيمُ فِي جُمْلَةِ مَنْ وَفِدَ لِلْمِيرَةِ فَكَانَ بَيْنَهُمَا هَذِهِ الْمُنَاظَرَةُ وَلَمْ يُعْطِ إِبْرَاهِيمَ مِنَ الطَّعَامِ كَمَا أَعْطَى النَّاسَ بَلْ خَرَجَ وَلَيْسَ مَعَهُ شَيْءٌ مِنَ الطَّعَامِ ، فَلَمَّا قَرُبَ مِنْ أَهْلِهِ عَمَدَ إِلَى كَثِيبٍ مِنَ التُّرَابِ فَمَلَأَ مِنْهُ عِدْلَيْهِ وَقَالَ : أَشْغَلُ أَهْلِي عَنِّي إِذَا قَدِمْتُ عَلَيْهِمْ ، فَلَمَّا قَدِمَ وَضَعَ رِحَالَهُ وَجَاءَ فَاتَّكَأَ فَنَامَ . فَقَامَتِ امْرَأَتُهُ سَارَّةُ إِلَى الْعِدْلَيْنِ فَوَجَدَتْهُمَا مَلْآنَيْنِ طَعَامًا طَيِّبًا فَعَمِلَتْ مِنْهُ طَعَامًا . فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ إِبْرَاهِيمُ وَجَدَ الَّذِي قَدْ أَصْلَحُوهُ فَقَالَ : أَنَّى لَكَمَ هَذَا ؟ قَالَتْ : مِنَ الَّذِي جِئْتَ بِهِ . فَعَرَفَ أَنَّهُ رِزْقٌ رَزَقَهُمُوهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ . قَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ : وَبَعَثَ اللَّهُ إِلَى ذَلِكَ الْمَلِكِ الْجَبَّارِ مَلَكَا يَأْمُرُهُ بِالْإِيمَانِ بِالْلَّهِ فَأَبَى عَلَيْهِ ثُمَّ دَعَاهُ الثَّانِيَةَ فَأَبَى ثُمَّ الثَّالِثَةَ فَأَبَى وَقَالَ : اجْمَعْ جُمُوعَكَ وَأَجْمَعُ جُمُوعِي . فَجَمَعَ النَّمْرُوذُ جَيْشَهُ وَجُنُودَهُ وَقْتَ طُلُوعِ الشَّمْسِ ، وَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ الْبَعُوضِ بِحَيْثُ لَمْ يَرَوْا عَيْنَ الشَّمْسِ وَسَلَّطَهَا اللَّهُ عَلَيْهِمْ فَأَكَلْتُ لُحُومَهُمْ وَدِمَاءَهُمْ وَتَرَكَتْهُمْ عِظَامًا بَادِيَةً ، وَدَخَلَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهَا فِي مَنْخَرَيِ الْمَلِكِ فَمَكَثَتْ فِي مَنْخَرَيْهِ أَرْبَعَمِائَةِ سَنَةٍ ، عَذَّبَهُ اللَّهُ بِهَا فَكَانَ يَضْرِبُ رَأْسَهُ بِالْمَرَازِبِ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ كُلِّهَا حَتَّى أَهْلَكَهُ اللَّهُ بِهَا .

169
( أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ( 259 ) )

تَقَدَّمَ قَوْلُهُ تَعَالَى : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ [ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ ] ) وَهُوَ فِي قُوَّةِ قَوْلِهِ : هَلْ رَأَيْتَ مِثْلَ الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ ؟ وَلِهَذَا عَطَفَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ : ( أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا ) اخْتَلَفُوا فِي هَذَا الْمَارِّ مَنْ هُوَ ؟ فَرَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عِصَامِ بْنِ رَوَّادٍ عَنْ آدَمَ بْنِ أَبِي إِيَاسٍ عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ نَاجِيَةَ بْنِ كَعْبٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ قَالَ : هُوَ عُزَيْرٌ .

وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ نَاجِيَةَ نَفْسِهِ . وَحَكَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنِ وَقَتَادَةَ وَالسُّدِّيِّ وَسُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الْمَشْهُورُ .

وَقَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ : هُوَ أَرْمِيَا بْنُ حَلْقِيَا . قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ; عَمَّنْ لَا يُتَّهَمُ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ أَنَّهُ قَالَ : وَهُوَ اسْمُ الْخِضْرِ عَلَيْهِ السَّلَامُ .

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ : حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ : سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ بْنَ مُحَمَّدٍ الْيَسَارِيَّ الْجَارِيَّ مِنْ أَهْلِ الْجَارِ ، ابْنَ عَمِّ مَطَرٍ فَقَالَ : سَمِعْتُ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الشَّامِ يَقُولُ : إِنَّ الَّذِي أَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ اسْمُهُ : حِزْقِيلُ بْنُ بُورَا .

وَقَالَ مُجَاهِدُ بْنُ جَبْرٍ : هُوَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ[ ص: 688 ]

[ وَذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ أَنَّهُ مَاتَ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعِينَ سَنَةً ; فَبَعَثَهُ اللَّهُ وَهُوَ كَذَلِكَ ، وَكَانَ لَهُ ابْنٌ فَبَلَغَ مِنَ السِّنِّ مِائَةً وَعِشْرِينَ سَنَةً ، وَبَلَغَ ابْنُ ابْنِهِ تِسْعِينَ وَكَانَ الْجَدُّ شَابًّا وَابْنُهُ وَابْنُ ابْنِهِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ قَدْ بَلَغَا الْهِرَمَ ، وَأَنْشَدَنِي بِهِ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ :




وَاسْوَدَّ رَأْسُ شَابٍّ مِنْ قَبْلِ ابْنِهِ وَمِنْ قَبْلِهِ ابْنُ ابْنِهِ فَهُوَ أَكْبَرُ يَرَى أَنَّهُ شَيْخًا يَدُبُّ عَلَى عَصَا
وَلِحْيَتُهُ سَوْدَاءُ وَالرَّأْسُ أَشْعَرُ وَمَا لِابْنِهِ حَبْلٌ وَلَا فَضْلُ قُوَّةٍ
يَقُومُ كَمَا يَمْشِي الصَّغِيرُ فَيَعْثُرُ وَعُمُرُ ابْنِهِ أَرْبَعُونَ أَمَرَّهَا
وَلِابْنِ ابْنِهِ فِي النَّاسِ تِسْعِينَ غُبَّرُ ]

وَأَمَّا الْقَرْيَةُ : فَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا بَيْتُ الْمَقْدِسِ مَرَّ عَلَيْهَا بَعْدَ تَخْرِيبِ بُخْتَنَصَّرَ لَهَا وَقَتْلِ أَهْلِهَا . ( وَهِيَ خَاوِيَةٌ ) أَيْ : لَيْسَ فِيهَا أَحَدٌ مِنْ قَوْلِهِمْ : خَوَتِ الدَّارُ تَخْوِي خَوَاءً وَخُوِيًّا .

وَقَوْلُهُ : ( عَلَى عُرُوشِهَا ) أَيْ : سَاقِطَةٌ سُقُوفُهَا وَجُدْرَانُهَا عَلَى عَرَصَاتِهَا ، فَوَقَفَ مُتَفَكِّرًا فِيمَا آلَ أَمْرُهَا إِلَيْهِ بَعْدَ الْعِمَارَةِ الْعَظِيمَةِ وَقَالَ : ( أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا ) وَذَلِكَ لِمَا رَأَى مِنْ دُثُورِهَا وَشِدَّةِ خَرَابِهَا وَبُعْدِهَا عَنِ الْعَوْدِ إِلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : ( فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ ) قَالَ : وَعَمُرَتِ الْبَلْدَةُ بَعْدَ مُضِيِّ سَبْعِينَ سَنَةً مِنْ مَوْتِهِ وَتَكَامَلَ سَاكِنُوهَا وَتَرَاجَعَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِلَيْهَا . فَلَمَّا بَعَثَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بَعْدَ مَوْتِهِ كَانَ أَوَّلُ شَيْءٍ أَحْيَا اللَّهُ فِيهِ عَيْنَيْهِ لِيَنْظُرَ بِهِمَا إِلَى صُنْعِ اللَّهِ فِيهِ كَيْفَ يُحْيِي بَدَنَهُ ؟ فَلَمَّا اسْتَقَلَّ سَوِيًّا قَالَ اللَّهُ لَهُ أَيْ بِوَاسِطَةِ الْمَلَكِ : ( كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ) قَالُوا : وَذَلِكَ أَنَّهُ مَاتَ أَوَّلَ النَّهَارِ ثُمَّ بَعَثَهُ اللَّهُ فِي آخِرِ نَهَارٍ ، فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَاقِيَةً ظَنَّ أَنَّهَا شَمْسُ ذَلِكَ الْيَوْمِ فَقَالَ : ( أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ ) وَذَلِكَ : أَنَّهُ كَانَ مَعَهُ فِيمَا ذُكِرَ عِنَبٌ وَتِينٌ وَعَصِيرٌ فَوَجَدَهُ كَمَا فَقَدَهُ لَمْ يَتَغَيَّرْ مِنْهُ شَيْءٌ ، لَا الْعَصِيرُ اسْتَحَالَ وَلَا التِّينُ حَمِضَ وَلَا أَنْتَنَ وَلَا الْعِنَبُ تَعَفَّنَ ( وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ ) أَيْ : كَيْفَ يُحْيِيهِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَأَنْتَ تَنْظُرُ ( وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ ) أَيْ : دَلِيلًا عَلَى الْمَعَادِ ( وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ) أَيْ : نَرْفَعُهَا فَتَرْكَبُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ .

وَقَدْ رَوَى الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ مِنْ حَدِيثِ نَافِعِ بْنِ أَبِي نُعَيْمٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِيهِ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ : ( كَيْفَ نُنْشِزُهَا ) بِالزَّايِ ثُمَّ قَالَ : صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ .

وَقُرِئَ : ( نُنْشِرُهَا ) أَيْ : نُحْيِيهَا قَالَهُ مُجَاهِدٌ ( ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا )

وَقَالَ السُّدِّيُّ وَغَيْرُهُ : تَفَرَّقَتْ عِظَامُ حِمَارِهِ حَوْلَهُ يَمِينًا وَيَسَارًا فَنَظَرَ إِلَيْهَا وَهِيَ تَلُوحُ مِنْ بَيَاضِهَا فَبَعَثَ اللَّهُ رِيحًا فَجَمَعَتْهَا مِنْ كُلِّ مَوْضِعٍ مِنْ تِلْكَ الْمَحِلَّةِ ، ثُمَّ رَكِبَ كُلُّ عَظْمٍ فِي مَوْضِعِهِ حَتَّى صَارَ حِمَارًا قَائِمًا مِنْ عِظَامٍ لَا لَحْمَ عَلَيْهَا ثُمَّ كَسَاهَا اللَّهُ لَحْمًا وَعَصَبًا وَعُرُوقًا وَجِلْدًا ، وَبَعَثَ اللَّهُ مَلَكًا فَنَفَخَ فِي مَنْخَرَيِ الْحِمَارِ فَنَهَقَ ، كُلُّهُ بِإِذْنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَذَلِكَ كُلُّهُ بِمَرْأَى مِنَ الْعُزَيْرِ ، فَعِنْدَ ذَلِكَ لَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ هَذَا كُلُّهُ ( قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) أَيْ : أَنَا عَالِمٌ بِهَذَا وَقَدْ رَأَيْتُهُ عَيَانًا فَأَنَا أَعْلَمُ أَهْلِ زَمَانِي بِذَلِكَ ، وَقَرَأَ آخَرُونَ : " قَالَ اعْلَمْ " عَلَى أَنَّهُ أَمْرٌ لَهُ بِالْعِلْمِ .

170
( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ( 260 )[ ص: 689 ]

ذَكَرُوا لِسُؤَالِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، أَسْبَابًا ، مِنْهَا : أَنَّهُ لَمَّا قَالَ لِنُمْرُوذَ : ( رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ ) أَحَبَّ أَنْ يَتَرَقَّى مِنْ عِلْمِ الْيَقِينِ فِي ذَلِكَ إِلَى عَيْنِ الْيَقِينِ ، وَأَنْ يَرَى ذَلِكَ مُشَاهِدَةً فَقَالَ : ( رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي )

فَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عِنْدَ هَذِهِ الْآيَةِ : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَسَعِيدٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " نَحْنُ أَحَقُّ بِالشَّكِّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ ، إِذْ قَالَ : رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى ؟ قَالَ : أَوَلَمْ تُؤْمِنْ . قَالَ : بَلَى ، وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي " وَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ ، عَنْ حَرْمَلَةَ بْنِ يَحْيَى ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ بِهِ فَلَيْسَ الْمُرَادُ هَاهُنَا بِالشَّكِّ مَا قَدْ يَفْهَمُهُ مَنْ لَا عِلْمَ عِنْدَهُ ، بِلَا خِلَافٍ . وَقَدْ أُجِيبَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِأَجْوِبَةٍ ، أَحَدُهَا . . . .

وَقَوْلُهُ : ( قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ) اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ : مَا هِيَ ؟ وَإِنْ كَانَ لَا طَائِلَ تَحْتَ تَعْيِينِهَا ، إِذْ لَوْ كَانَ فِي ذَلِكَ مُتَّهَمٌ لَنَصَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ ، فَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ : هِيَ الْغُرْنُوقُ ، وَالطَّاوُسُ ، وَالدِّيكُ ، وَالْحَمَامَةُ . وَعَنْهُ أَيْضًا : أَنَّهُ أَخَذَ وَزًّا ، وَرَأْلًا وَهُوَ فَرْخُ النَّعَامِ وَدِيكًا ، وَطَاوُسًا . وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ : كَانَتْ حَمَامَةً ، وَدِيكًا ، وَطَاوُسًا ، وَغُرَابًا .

وَقَوْلُهُ : ( فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ) أَيْ : قَطِّعْهُنَّ . قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ ، وَعِكْرِمَةُ ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ ، وَأَبُو [ ص: 690 ] مَالِكٍ ، وَأَبُو الْأَسْوَدِ الدُّؤَلِيُّ ، وَوَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ ، وَالْحَسَنُ ، وَالسُّدِّيُّ ، وَغَيْرُهُمْ
وَقَالَ الْعَوْفِيُّ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : ( فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ) أَوْثِقْهُنَّ ، فَلَمَّا أَوْثَقَهُنَّ ذَبَحَهُنَّ ، ثُمَّ جَعَلَ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ، فَذَكَرُوا أَنَّهُ عَمَدَ إِلَى أَرْبَعَةٍ مِنَ الطَّيْرِ فَذَبَحَهُنَّ ، ثُمَّ قَطَّعَهُنَّ وَنَتَفَ رِيشَهُنَّ ، وَمَزَّقَهُنَّ وَخَلَطَ بَعْضَهُنَّ فِي بَعْضٍ ، ثُمَّ جَزَّأَهُنَّ أَجْزَاءً ، وَجَعَلَ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ، قِيلَ : أَرْبَعَةُ أَجْبُلٍ . وَقِيلَ : سَبْعَةٌ . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : وَأَخَذَ رُؤُوسَهُنَّ بِيَدِهِ ، ثُمَّ أَمَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ، أَنْ يَدْعُوَهُنَّ ، فَدَعَاهُنَّ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ، فَجَعَلَ يَنْظُرُ إِلَى الرِّيشِ يَطِيرُ إِلَى الرِّيشِ ، وَالدَّمِ إِلَى الدَّمِ ، وَاللَّحْمِ إِلَى اللَّحْمِ ، وَالْأَجْزَاءِ مِنْ كُلِّ طَائِرٍ يَتَّصِلُ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ ، حَتَّى قَامَ كُلُّ طَائِرٍ عَلَى حِدَتِهِ ، وَأَتَيْنَهُ يَمْشِينَ سَعْيًا لِيَكُونَ أَبْلَغَ لَهُ فِي الرُّؤْيَةِ الَّتِي سَأَلَهَا ، وَجَعَلَ كُلُّ طَائِرٍ يَجِيءُ لِيَأْخُذَ رَأْسَهُ الَّذِي فِي يَدِ إِبْرَاهِيمَ ، عَلَيْهِ السَّلَامُ ، فَإِذَا قَدَّمَ لَهُ غَيْرَ رَأْسِهِ يَأْبَاهُ ، فَإِذَا قَدَّمَ إِلَيْهِ رَأْسَهُ تَرْكَبُ مَعَ بَقِيَّةِ جُثَّتِهِ بِحَوْلِ اللَّهِ وَقُوَّتِهِ ; وَلِهَذَا قَالَ : ( وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) أَيْ : عَزِيزٌ لَا يَغْلِبُهُ شَيْءٌ ، وَلَا يَمْتَنِعُ مِنْهُ شَيْءٌ ، وَمَا شَاءَ كَانَ بِلَا مُمَانِعٍ لِأَنَّهُ الْعَظِيمُ الْقَاهِرُ لِكُلِّ شَيْءٍ ، حَكِيمٌ فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ وَشَرْعِهِ وَقَدْرِهِ .

قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ : أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ ، عَنْ أَيُّوبَ فِي قَوْلِهِ : ( وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ) قَالَ : قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : مَا فِي الْقُرْآنِ آيَةٌ أَرْجَى عِنْدِي مِنْهَا .

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ : حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ عَلِيٍّ يُحَدِّثُ ، عَنْ رَجُلٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ : اتَّعَدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنْ يَجْتَمِعَا . قَالَ : وَنَحْنُ شَبَبَةٌ ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ : أَيُّ آيَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ أَرْجَى لِهَذِهِ الْأُمَّةِ ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو : قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى : ( يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ) الْآيَةَ [ الزُّمَرِ : 53 ] . فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : أَمَّا إِنْ كُنْتَ تَقُولُ : إِنَّهَا ، وَإِنَّ أَرْجَى مِنْهَا لِهَذِهِ الْأُمَّةِ قَوْلُ إِبْرَاهِيمَ : ( رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ) .

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ : حَدَّثَنَا أَبِي ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ كَاتِبُ اللَّيْثِ ، حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ ، أَنَّهُ قَالَ : الْتَقَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِابْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ : أَيُّ آيَةٍ فِي الْقُرْآنِ أَرْجَى عِنْدَكَ ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو : قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : ( يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا [ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ] ) الْآيَةَ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : لَكِنَّ أَنَا أَقُولُ : قَوْلُ اللَّهِ : ( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى ) فَرَضِيَ مِنْ إِبْرَاهِيمَ قَوْلَهُ : ( بَلَى ) قَالَ : فَهَذَا لِمَا يَعْتَرِضُ فِي النُّفُوسِ وَيُوَسْوِسُ بِهِ الشَّيْطَانُ .

وَهَكَذَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ بْنِ الْأَخْرَمِ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ السَّعْدِيِّ ، عَنْ بِشْرِ بْنِ عُمَرَ الزَّهْرَانِيِّ ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ ، بِإِسْنَادِهِ ، مِثْلَهُ . ثُمَّ قَالَ : صَحِيحُ الْإِسْنَادِ ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ .
[ ص: 691 ]

171
( مِثْلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمِثْلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ( 261 ) )

هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِتَضْعِيفِ الثَّوَابِ لِمَنْ أَنْفَقَ فِي سَبِيلِهِ وَابْتِغَاءِ مَرْضَاتِهِ ، وَأَنَّ الْحَسَنَةَ تُضَاعَفُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ ، فَقَالَ : ( مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ) قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ : فِي طَاعَةِ اللَّهِ . وَقَالَ مَكْحُولٌ : يَعْنِي بِهِ : الْإِنْفَاقُ فِي الْجِهَادِ ، مِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ وَإِعْدَادِ السِّلَاحِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ، وَقَالَ شَبِيبُ بْنُ بِشْرٍ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : الْجِهَادُ وَالْحَجُّ ، يُضْعِفُ الدِّرْهَمَ فِيهِمَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ ; وَلِهَذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : ( كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ
وَهَذَا الْمَثَلُ أَبْلَغُ فِي النُّفُوسِ ، مِنْ ذِكْرِ عَدَدِ السَّبْعِمِائَةِ ، فَإِنَّ هَذَا فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْأَعْمَالَ الصَالِحٍةَ يُنَمِّيهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ، لِأَصْحَابِهَا ، كَمَا يُنَمِّي الزَّرْعَ لِمَنْ بَذَرَهُ فِي الْأَرْضِ الطَّيِّبَةِ ، وَقَدْ وَرَدَتِ السُّنَّةُ بِتَضْعِيفِ الْحَسَنَةِ إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ ، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ الرَّبِيعِ أَبُو خِدَاشٍ ، حَدَّثَنَا وَاصِلٌ مَوْلَى ابْنِ عُيَيْنَةَ ، عَنْ بَشَّارِ بْنِ أَبِي سَيْفٍ الْجُرْمِيِّ ، عَنْ عِيَاضِ بْنِ غَطِيفٍ قَالَ : دَخَلْنَا عَلَى أَبِي عُبَيْدَةَ [ بْنِ الْجَرَّاحِ ] نَعُودُهُ مِنْ شَكْوَى أَصَابَهُ وَامْرَأَتُهُ تُحَيْفَةُ قَاعِدَةٌ عِنْدَ رَأْسِهِ قُلْنَا : كَيْفَ بَاتَ أَبُو عُبَيْدَةَ ؟ قَالَتْ : وَاللَّهِ لَقَدْ بَاتَ بِأَجْرٍ ، قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ : مَا بَتُّ بِأَجْرٍ ، وَكَانَ مُقْبِلًا بِوَجْهِهِ عَلَى الْحَائِطِ ، فَأَقْبَلَ عَلَى الْقَوْمِ بِوَجْهِهِ ، وَقَالَ : أَلَا تَسْأَلُونِي عَمَّا قُلْتُ ؟ قَالُوا : مَا أَعْجَبَنَا مَا قَلْتَ فَنَسْأَلُكَ عَنْهُ ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " مَنْ أَنْفَقَ نَفَقَةً فَاضِلَةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبِسَبْعِمِائَةٍ ، وَمَنْ أَنْفَقَ عَلَى نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ ، أَوْ عَادَ مَرِيضًا أَوْ مَازَ أَذًى ، فَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا ، وَالصَّوْمُ جُنَّةٌ مَا لَمْ يَخْرُقْهَا ، وَمَنِ ابْتَلَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ، بِبَلَاءٍ فِي جَسَدِهِ فَهُوَ لَهُ حِطَّةٌ " .

وَقَدْ رَوَى النَّسَائِيُّ فِي الصَّوْمِ بَعْضَهُ مِنْ حَدِيثِ وَاصِلٍ بِهِ ، وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ مَوْقُوفًا .

حَدِيثٌ آخَرُ : قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ سُلَيْمَانَ ، سَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو الشَّيْبَانِيَّ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ : أَنَّ رَجُلًا تَصَدَّقَ بِنَاقَةٍ مَخْطُومَةٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَتَأْتِيَنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِسَبْعِمِائَةِ نَاقَةٍ مَخْطُومَةٍ " .

وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ ، مِنْ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ مِهْرَانَ ، عَنِ الْأَعْمَشِ ، بِهِ . وَلَفْظُ مُسْلِمٍ : جَاءَ رَجُلٌ بِنَاقَةٍ مَخْطُومَةٍ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، هَذِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ . فَقَالَ : " لَكَ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ سَبْعُمِائَةِ نَاقَةٍ " .

حَدِيثٌ آخَرُ : قَالَ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مَجْمَعٍ أَبُو الْمُنْذِرِ الْكِنْدِيُّ ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ الْهِجْرِيِّ ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ ، جَعَلَ حَسَنَةَ ابْنِ آدَمَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا ، إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ ، إِلَّا الصَّوْمَ ، وَالصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ ، وَلِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ : فَرْحَةٌ عِنْدَ إِفْطَارِهِ وَفَرْحَةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَلَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ "[ ص: 692 ]

حَدِيثٌ آخَرُ : قَالَ [ الْإِمَامُ ] أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ ، الْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ ، إِلَى مَا شَاءَ اللَّهُ ، يَقُولُ اللَّهُ : إِلَّا الصَّوْمَ ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ ، يَدَعُ طَعَامَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي ، وَلِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ : فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ ، وَلَخُلُوفُ فِيهِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ . الصَّوْمُ جُنَّةٌ ، الصَّوْمُ جُنَّةٌ " . وَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، وَأَبِي سَعِيدٍ الْأَشَجِّ ، كِلَاهُمَا عَنْ وَكِيعٍ ، بِهِ .

حَدِيثٌ آخَرُ : قَالَ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ ، عَنْ زَائِدَةَ ، عَنِ الرُّكَيْنِ ، عَنْ يُسَيْرِ بْنِ عَمِيلَةَ عَنْ خَرِيمِ بْنِ فَاتِكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ أَنْفَقَ نَفَقَةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ تُضَاعَفُ بِسَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ " .

حَدِيثٌ آخَرُ : قَالَ أَبُو دَاوُدَ : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ وَسَعِيدِ بْنِ أَبِي أَيُّوبَ ، عَنْ زَبَّانَ بْنِ فَائِدٍ ، عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذٍ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ الصَّلَاةَ وَالصِّيَامَ وَالذِّكْرَ يُضَاعَفُ عَلَى النَّفَقَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ سَبْعَمِائَةِ ضِعْفٍ " .

حَدِيثٌ آخَرُ : قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ : حَدَّثَنَا أَبِي ، حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَرْوَانَ ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ ، عَنِ الْخَلِيلِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنِ الْحَسَنِ ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مَنْ أَرْسَلَ بِنَفَقَةٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَأَقَامَ فِي بَيْتِهِ فَلَهُ بِكُلِّ دِرْهَمِ سَبْعُمِائَةِ دِرْهَمٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَمَنْ غَزَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَأَنْفَقَ فِي جِهَةِ ذَلِكَ فَلَهُ بِكُلِّ دِرْهَمِ سَبْعُمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ " . ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ : ( وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ ) وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ
وَقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثُ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي تَضْعِيفِ الْحَسَنَةِ إِلَى أَلْفَيْ أَلْفِ حَسَنَةٍ ، عِنْدَ قَوْلِهِ : ( مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً ) [ الْبَقَرَةِ : 245 ] .

حَدِيثٌ آخَرُ : قَالَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَسْكَرِيِّ الْبَزَّازُ ، أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ شَبِيبٍ ، أَخْبَرَنَا مَحْمُودُ بْنُ خَالِدٍ الدِّمَشْقِيُّ ، أَخْبَرَنَا أَبِي ، عَنْ عِيسَى بْنِ الْمُسَيَّبِ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ : ( مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ) قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " رَبِّ زِدْ أُمَّتِي " قَالَ : فَأَنْزَلَ اللَّهُ : ( مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا ) قَالَ : " رَبِّ زِدْ أُمَّتِي " قَالَ : فَأَنْزَلَ اللَّهُ : ( إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) [ الزُّمَرِ : 10 ] .

وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو حَاتِمِ بْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ ، عَنْ حَاجِبِ بْنِ أَرْكِينَ ، عَنْ أَبِي عُمَرَ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْمُقْرِئِ ، عَنْ أَبِي إِسْمَاعِيلَ الْمُؤَدِّبِ ، عَنْ عِيسَى بْنِ الْمُسَيَّبِ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، فَذَكَرَهُ . [ ص: 693 ]

وَقَوْلُهُ هَاهُنَا : ( وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ ) أَيْ : بِحَسْبِ إِخْلَاصِهِ فِي عَمَلِهِ ( وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) أَيْ : فَضْلُهُ وَاسِعٌ كَثِيرٌ أَكْثَرُ مِنْ خَلْقِهِ ، عَلِيمٌ بِمَنْ يَسْتَحِقُّ وَمَنْ لَا يَسْتَحِقُّ .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق